ممارسات الاحتلال أسوأ مـن زمن صدام
حظي الشقي جوليان أسانغ، ذلك الفتى الأشقر الذي أسس موقع «ويكيليكس»، بإعجاب كبير عندما كشف عن الأنظمة المستبدة والمخادعة في الصين وكينيا، ولكنه يركز الآن على نفاق الغرب وجرائمه. ورأى محللون أن ما قام به الرجل هو جريمة ضد الدول الكتومة، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وينطوي على قلة احترام وإساءة إلى الوسط الرسمي فيهما، ويبدو ذلك صرفا للنظر عن الموضوع ودخانا صادرا عن نيران أشعلت عن عمد، كي تمنعنا من مشاهدة ما يقع أمامنا.
وكان هذا الموقع الجريء قد نشر في البداية مواد سرية عن الحرب الكارثية في أفغانستان ، والآن يفتح جبهة جديدة لنشر أكثر من 400 ألف وثيقة وملف سري عن الفظائع التي تم التستر عليها في حرب العراق. وتضمنت الموضوعات التي تم الكشف عنها عددا لا يحصى من الأعمال البشعة والقتل، تزيد على 66 ألف مدني عراقي على أيدي الجنود الأميركيين والبريطانيين، والعراقيين الذين انضموا إلى قوات التحالف. وتعرض بعض الرجال للحرق وبعضهم لقطع أجزاء من جسمه، في حين ان آخرين تم قتلهم ببطء. وتعرضت النساء للقتل بالرصاص، ولم ينجُ الأطفال من هذا الجحيم، إذ تم قتلهم قبل أن يكبروا. ويبدو أنه في زمن الحرب كان كل شيء يحدث أثناء الصراعات العسكرية من دون أن يكلف أحد نفسه بطرح أي سؤال، تماما كما قال ذلك الجندي الإسرائيلي عندما سئل عن موت الناشطة الأميركية راشل كوري، التي كانت تدافع عن منازل الفلسطينيين في غزة «في زمن الحرب لا يوجد مدنيون». ولم تحقق السلطات العراقية بالتقارير التي كانت تتحدث عن حالات التعذيب والقتل. وأخبرني صديق بأن اغتصاب الفتيات والأولاد والنساء والرجال كان يجري على نطاق واسع، وهي وسيلة كانت تستخدم للترهيب و العقاب معا، وهناك صور عن هذه الأعمال الفظيعة من سجن أبوغريب والتي لم يتم نشرها، بسبب المشاعر التي يمكن أن تثيرها في العالم المسلم.
وقلة من مواطني العالم يصدقون الآن الأناشيد الحماسية والإطراء الموجه إلى أميركا، من الآن فصاعدا، فإن عدد هؤلاء سيقل أكثر فأكثر، فكيف سنتمكن نحن المسلمين الليبراليين من الترويج لقيم الديمقراطية في شتى أنحاء العالم الإسلامي؟
كانت وزيرة الخارجية الأميركية، التي تعتبر نسخة عن سابقتها كوندوليزا رايس، قد دانت نشر تلك الفظائع على موقع «ويكيليكس»، وحذرت من أنها تشكل خطرا على حياة المدنيين والقوات الأميركية، وحلفائهم، أخشى القول إنها من ناحية ما على صواب، فمن الممكن أن تؤدي هذه الأخبار إلى انتشار أعمال إرهابية، وتجنيد أعمال جهادية، ومزيد من العنف في العراق، إضافة الى عمليات تفجيرية في افغانستان، واتخاذ مواقف بشعة ضد العالم الغربي، الذي يعتبر موطنا للملايين من المسلمين. ولكن إبقاء هذه القصص قيد السرية يعتبر خطأ ايضا، إذ إنه ليس من العدل أن يعاني العراقيون الأبرياء على أيدي جنود الحلفاء دون محاكمة من قاموا بتلك الأفعال المشينة، ويجب أن يتم اتخاذ خطوات ملموسة وعلنية نحو محاكمة المذنبين، ويتعين على السيدة كلينتون أن تعرف هذا لكونها محامية اصلا، وهو مبدأ أساسي في مهنتها.
وأتساءل عن موقف مؤيدي الحرب على العراق، بعد الفظائع التي تم نشرها، فقد أدت الحروب ومن قبلها العقوبات الاقتصادية إلى مقتل أعداد من العراقيين، تفوق كثيرا من قتلوا على يد نظام صدام حسين. ومن المؤكد أن بلير وبوش وجيشيهما لن يمثلوا أمام محكمة دولية مناسبة، ويمكننا أن نتخيل موقف المسلمين، عندما يدركون أن العالم الثالث عليه أن يعاني الويلات في حين أن الآخرين يكسبون ملايين الدولارات، من خلال كتابة مذكراتهم، وإلقاء المحاضرات عن القيادة الرشيدة.