أميركا برسم البيع لمن يدفع أكثر
جميع القوانين والسياسات الأميركية هي الآن بكل وضوح معروضة للبيع على موقع (e-Bay) لمن يدفع أكثر، فهل أنت أحد أساطين «وول ستريت»وتود أن تدفع نظير ذلك؟ أم أنت أحد أباطرة مناجم الفحم وتريد أن تحرق البلاد؟، أم انت صاحب شركة تأمين تريد ان تركل المرضى وتزيحهم عن طريقك؟ إذن عليك ان تقابل السيد جون بوهينر، الجمهوري الاكثر قوة، والذي سيصبح عما قريب رئيساً لمجلس النواب.
في عام 1995 كان مجلس النواب على وشك إلغاء الدعم على التبغ، لان هذ المادة التي تسبب السرطان ليست جديرة بدعم دافع الضرائب، إلا ان الامر لم يمضِ كما هو مخطط له بعد ان وزع بوهينر «شيكات» على زملائه النواب قدمها اليه اعضاء لوبي شركات التبغ، ولهذا السبب غيروا رأيهم في سحب الدعم الحكومي للتبغ، وبقي الدعم مكانه. وشرح بوهينر توزيعه الشيكات على زملائه قائلاً: «مثل هذا التصرف يتم هنا منذ أمد بعيد»، إذن ما عليك سوى ان تقدم مناقصتك، لأن المجلس مفتوح لممارسة كل الاعمال.
لكي نفهم ما حدث في انتخابات التجديد النصفية للكونغرس، فإن الشخص المناسب لم يكن في المكان المناسب، ففي عام 1957 اخرج اليا كازان فيلماً اطلق عليه «وجه في الزحام»، الذي وكأنه يقرأ مستقبل «حزب الشاي» في الوقت الذي كانت فيه (المرشحة السابقة للرئاسة) سارة بالين لاتزال في علم الغيب. وتتمحور القصة في انه صباح يوم من الايام تعرض مسافر من اركنساس، يدعى لاري لونيسم روديس، للسجن، وجاءت الى السجن احدى مقدمات البرامج الاذاعية، وطلبت من العمدة ان يسمح لها بتسجيل قصة السجين لكي تذيعها على مستمعيها من عامة الشعب، ووقّع معها عقداً، وسرعان ما حصل لونيسم على برنامجه الخاص به المفعم بالموسيقى الريفية والحكمة الريفية ليصعد به الى مراتب النجوم.
وعندما اصبح لونيسم احد كبار نجوم التلفزيون الاميركي اصبح يتلقى الكثير من العروض، ويتقرب منه المعلنون ليعرض لهم منتجاتهم التافهة، ليمطرونه بالتالي بملايين الدولارات، فقد كان الرجل يعرف كيف يبيع أي شيء لعامة الشعب، ثم صعد الرجل سلّم المجد، فطلبوا منه ان يبيع القضايا السياسية التي ستجعلهم اكثر غنى، ثم طفق الرجل يعبث بالامن الاجتماعي والرواتب التقاعدية واي شيء آخر يساعد الاغنياء، وضرب على وتر القوى العاملة الاميركية لاثارة عاطفتهم وجعلهم يتفاعلون مع الاشخاص الذين يستغلونهم، وكان ذكياً في هذا المجال، مداهناً وأفاكاً، يقول إن الدعم والتأمين لعامة الشعب الاميركي ليس سوى خيانة لأميركا، واصبح ثرياً من خلال خداعه الشعب الذي جاء منه.
والان نجد أن بوهينر جاء من عائلة فقيرة ضمن 12 ولداً، وشغل ثلاث وظائف (من بينها بواب) لكي يدخل مجال الاعمال، وعندما تم انتخابه في المجلس اصبح يعمل لمصلحة الاغنياء اكثر من مصلحة الاشخاص الذين تربى بينهم، وكان ياخذ الاموال من شركات التأمين، ويصوت من أجل إلغاء غطاء الرعاية الصحية الموجّه الى الأطفال والاشخاص المرضى والاشخاص الذين هرولوا إلى مبنى مركز التجارة العالمية خلال احداث الحادي عشر من سبتمبر ،2001 ليخرجوا الضحايا من الركام، الامر الذي عرضهم لسموم قاتلة، وكان يأخذ ايضا اموالاً من متعهدي الدفاع ويساند كل حرب قائمة.
خلال حملته الانتخابية اكد بوهينر انه «سيقف مع الاميركيين العاديين» ضد «الصفوة»، وانه «سيعمل على تقليص العجز كأمر مهم وضروري»، اذاً ماذا ستكون اولويته القصوى كرئيس لمجلس النواب؟ ان يقاتل بشراسة من اجل الإبقاء على التخفيضات الهائلة في الضرائب التي حصلت عليها الصفوة الثرية إبان عهد الرئيس السابق جورج بوش، على الرغم من ان ذلك وحده سيضيف تريليوني دولار لعجز الموازنة خلال العقد المقبل.
هذه هي قصة الحزب الجمهوري الحديث، الذي يستخدم اعضاؤه الرموز الثقافية لخيار الاميركيين من الطبقة الوسطى لإثارة العواطف، في الوقت الذي يعملون فيه على نهب الطبقة الوسطى ويعيدون توزيع ثروتها لمصلحة الاثرياء. وتعتبر سارة بالين الملكة المتوجة في مثل هذه القضايا، إذ انها قدمت نفسها كأم عادية من الامهات الاميركيات، في الوقت الذي أخذت تنشر فيه القصص الخيالية من اجل اعاقة الاشخاص الذين يساندون البرامج الاجتماعية التي تنقذ ارواحهم. ولعلكم تتذكرون ادعاءاتها بان خطة (الرئيس الأميركي باراك أوباما) للرعاية الصحية تنطوي على «لجان الموت» التي تقضي على العجزة والمقعدين.