لماذا ينبغي للغرب كسب الصين؟
أصبحت الصين أكثر تأكيداً لكونها قوة عالمية لا يستهان بها، وهو الشيء الذي تعكسه الصحافة الغربية باستمرار دون أي رياء او زيف، إذ يرى الغرب أن هذه الدولة الآسيوية تحتفظ وتستخدم عملة منخفضة القيمة لكي تكسب المزيد من المزايا التجارية، كما انها تستعدي جارتيها المتخاصمتين (كوريا الجنوبية والشمالية) في نزاعهما الاقليمي، ولا تفعل شيئاً في تهدئة النظام الكوري الشمالي، على الرغم من تصعيده العدوان على جارته، بما في ذلك عدوانه الاخير عليها بالمدفعية، ولاتزال تضخ المساعدات الى بيونغ يانغ.
في المقابل، فإن نظرة الصينيين إلى العالم الغربي حيال ما يحدث مغايرة تماما، إذ يعتقد معظم افراد الشعب الصيني العاديين بان الحكومة الصينية لا تؤكد ذاتها بما فيه الكفاية، حيث يرون أن قادتهم تعوزهم القوة، وان الانتقاد الغربي للسلوك الصيني غير عادل ومتصنع. لنأخذ على سبيل المثال قضيتين على الساحة الدولية: الضجة المثارة حول سياسة سعر استبدال العملة الصينية(اليوان) على المستوى الدولي، والنزاع الصيني الياباني حول الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الشرقي.
ويعتقد الصينيون أن انتقاد اميركا للصين غير مبرر، لانها تلوم الصين على ابداء مخاوفها على وضعها الاقتصادي، وتجبر الصين على اتخاذ سياسة تؤذي اقتصادها، من دون ان تفعل اميركا شيئاً لانعاش اقتصادها. اما في ما يتعلق بالنزاع الصيني الياباني فيعتقد الصينيون أن الغرب غير عادل، وانه يساند اليابان في هذا النزاع.
مثل هذا الاختلاف في وجهات النظر ليس جديداً على الاطلاق، ومن الصعب ان نجد فترة لا يعارض فيها الصينيون رؤية الغرب لموقف بلادهم على الساحة الدولية. ولعل السبب في ذلك يعود الى تصاعد الشعور الوطني في الصين، الذي يغذيه المنهج التعليمي الموجه من قبل الدولة، وسيطرة الحزب الشيوعي على أجهزة الإعلام التي توجه وتقود حملة النزاع الصيني مع الغرب، وفي الوقت الذي لا يثق فيه الصيني العادي بالإعلام الموجه من قبل الدولة، فإنه يصدق الرواية الحكومية في أن الغرب لا ينصف الصين.
ومن السخرية أن الحكومة الصينية تتبنى استراتيجية لتحقيق المستحيل: تقوية وتدعيم موقفها الوطني، وفي الوقت نفسه تبني سياسة خارجية مرنة، ففي جانب يسعى الحزب الشيوعي إلى جعل الصين قوة دولية لها مكانتها، وفي الجانب الآخر يريد القادة الصينيون الاصرار على سياسة خارجية براغماتية تتجنب الصراعات غير المكلفة وغير الضرورية مع الغرب، حيث ان التوتر المتضمن في هذه الاستراتيجية يجعل تحقيقها مستحيلاً.
وفي تعاملها مع العالم بشكل عام ومع الغرب بشكل خاص فان الصين تعاني من عقبتين اثنتين: قوتها وطبيعة نظامها، فمثلها مثل أي قوى عظمى عالمية تتعامل الصين بضبط النفس في جميع الاحوال، لا سيما مع الدول الاقل قوة منها، وانه يمكنها الاضطلاع بمسؤوليات دولية كبيرة، ولكن خلافاً للقوى الديمقراطية فإن الصين تمارس ايضا نوعاً من السلطوية، وبما ان الغرب ينظر الى الانظمة السلطوية على انها غير شرعية، فانه (الغرب) ينظر بريبة إلى السلوك الصيني الدولي ويضعه في منظور من عدم الثقة. وعلى هذا الاساس فإنه كلما دخلت الصين في صراع دولي، فان الغرب يتعاطف مع خصوم الصين.
وعليه فإن مثل هذا الشُقة المتسعة في رؤية الآخر بين الصين والعالم الغربي قد لا تؤدي إلا الى المزيد من تصعيد التوتر بين الجانبين وربما الصراع، كما أن مثل هذه الهوة قد تجعل من الصعب استقطاب التعاون الصيني في امور دولية حيوية تتعلق بالأمن والرخاء الدولي. وعلى سبيل المثال فإن الصين ستواجه ضغوطاً غربية متصاعدة لمنع كوريا الشمالية (الحليف الاستراتيجي لبكين) من توسيع برنامجها النووي، ومن ممارسة مزيد من العدوان على كوريا الجنوبية، إلا انه ومع تزايد عدم الثقة بين الغرب والصين فإن الصين قد لا تفعل شيئا حيال ذلك.
ان تضييق هذه الهوة بين الجانبين يستلزم جهوداً من كلا الطرفين، فمن ناحية التوازن فإن الصين في امكانها ان تفعل الكثير، حيث يمكنها ان تسمح بالمزيد من التداول الاعلامي لسياستها الخارجية، وان تهدئ من تغذيتها للشعور القومي، وبالمقابل فان على السياسيين الغربيين وكتاب الرأي ممارسة الكثير من ضبط النفس حيال انتقادهم للصين (حتى اذا كان هناك مبرر لمثل هذا الانتقاد)، وان يحاولوا النظر الى الامور بمنظور صيني.