الجزائر تنسى «مختفي التسعينات» في ضجيج الاحتفال باستقلالها
تتواصل الاحتفالات بالثورة التي وضعت نهاية لحكم الاستعمار الفرنسي قبل نصف قرن في الجزائر، لكن لا حديث أو إشارة في المؤتمر المصاحب للاحتفال المعادي للاستعمار عن «6000 رجل وامرأة الذين قضوا بالتعذيب في التسعينات على أيدي أفراد الشرطة والجيش الجزائريين ».
وعلى بعد مسافة بسيطة وفي الناحية الأخرى من مكان الاحتفال في سيدي فريج حيث نزل الفرنسيون عام ،1830 كانت هناك حفنة من الرؤساء القدامى القادمين من أراضي ذكريات الصراع ضد الاستعمار، ومنهم أول رئيس للجزائر بعد الاستقلال أحمد بن بيلا الذي بدا هيكلاً ضعيفاً أشيب الشعر، والدكتور كينيث كاوندا، المسكين الذي حاول دون فائدة او رحمة، أن يغني بينما ترقبه عيون ثابو مبيكي الرئيس السابق لجنوب إفريقيا، ثم كان هناك الفيتناميون الذين كان انتصارهم في «ديان بيان فو» هو الذي علم جبهة التحرير الوطني الجزائري أن بإمكانها هزيمة الفرنسيين، وهو ما أنجزته عام 1962 بكلفة نحو مليون ونصف المليون شهيد.
ونظرياً أقيم هذا الاحتفال لتخليد الذكرى الستين لصدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 الذي طالب بمنح حق الاستقلال للشعوب المستعمرة، لكن السبب الحقيقي الذي تم من أجله جمع الرؤساء السابقين المذكورين هو أن الجزائر تريد أن تبني مؤسسة جديدة ـ من خشب أو أسمنت فوق القبور الجماعية لربع مليون شخص قتلوا في نزاع مختلف بين 1990 ـ ،1998 وتم اختراع تعبير جديد جميل لما شهدته هذه السنوات وهو «كارثة الجزائر الوطنية»، وكأن تعليق الانتخابات والحرب التي تم خوضها ضد الجماعة الإسلامية، وما جرى فيها من اعمال قتل قاسية للغاية، كانت مجرد مشاهد مسرحية.
وعلى لوحة جدارية كبيرة في مكتب الجزائرية نصيرة دوتور، التي استشهد شقيقها في المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي، تصطف صور مقابر تضم المئات، ولشباب ومسنين ونساء محجبات وتلميذات مبتسمات وقد زين شعرهن بشريط ملون، وصور اخرى يجمعها قاسم مشترك وهو انها تعبر مجتمعة عن الثورة التي انتصرت على المستعمر الفرنسي ودحرته. وتقود دوتور فريقاً صغيراً يتسم بالشجاعة والمبادرة متسلحاً باجهزة اللاب توب لاحصاء قتلى ومفقودي سنوات النزاع وجمع بيانات عن اسرهم، ومعلومات عن ظروف موتهم او اختفائهم، وتقول ان رجال الشرطة والمباحث يداهمون المكتب بين الفينة والاخرى ويقومون بمضايقتها والعاملين الموجودين في المكتب.
واعتقلت قوات الامن الموظفة الحكومية الشابة الجميلة أمينة بوسليماني (28 عاماً) في ديسمبر ،1994 لانها كانت تصور المقابر والمباني والمنازل التي تم نسفها كأدلة على الجرائم التي تم ارتكابها، ومنذ ذلك الحين والسلطات تبلغ ذويها بانهم لن يروها ثانية، لكن محققاً خاصاً ابلغهم بانه ربما تم نقلها الى مركز اعتقال شاطينوف، حيث تعرضت للتحقيق والتعذيب.
خلال تجوالي في الجزائر لايام عدة دخلت الى احياء وحارات لم يكن يعيش فيها اي اجانب قبل 61 عاماً، ومنها حي القصبة الذي قتل فيه مسلحون من الجماعات الاسلامية مراسل التلفزيون الفرنسي اوليفييه كويمينيه عام .1994 وفي السنوات الاخيرة انتشر بين الجزائريين تعبير «تسخين الحساء القديم»، في اشارة الى كل من يرغب في اثارة الجدل حول ما كان يجري من أهوال في تلك الاعوام التي سبقتها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news