توماس فريدمان. غيتي

توماس فريدمان: رئيس مصر السابق «فرعون بلا مومياء»

يمكنني أن اقول لكم شيئاً واحداً عن مصر وهو: انها ليست لاس فيغاس . وما يحدث في مصر لا يبقى فيها . وعلى مدى الاعوام الـ30 الماضية كانت الاخبار تتوالى سيئة عن مصر، حيث كانت في حالة انحدار وانحطاط انعكست بشكل كبير ومباشر على أحوال معظم العالم العربي.

واليوم ومنذ 25 يناير الماضي استيقظت مصر بإرادة شبابها وسواعدهم وبطريقة متميزة، ليس لقتال اسرائيل أو اميركا، وانما للسعى الى التمكين الذاتي، وفرص العمل والوظائف التي تحقق لهم العيش الكريم بحرية وكرامة. وفي هذا البلد يمتلك الناس هوائيا حساسا للغاية، يلتقط كل ما يتصل بالشرعية والاهلية والموثوقية والشفافية، لان الكيل قد طفح بهم من أكاذيب قادتهم ورموز نظامهم.

ولأن الثورة الديمقراطية في مصر صناعة محلية ومنزلية، قام بها جيل الشباب الجديد، فإنها قدمت تضحيات وقتلى يفوق عددهم ما خسره الجيش المصري منذ انتهاء حرب اكتوبر 1973 في سبيل الدفاع عنها.

كما لقيت هذه الثورة أصداء طيبة واسعة في الشارع العربي، لذا فإن نجاحها يعني أن الشباب العربي والمسلم في دول أخرى سيباريها وينافسها ويتباهى بها.

وفي الواقع فإن هذه الثورة إذا لم تستطع نقل مصر الى الديمقراطية فإنها وبالاشتراك مع ادوات التواصل الاجتماعي وتقنيات الاعلامية ستكون الاكثر تدميرا للنظم الاتوقراطية الاستبدادية أكثر من الناصرية والبعثية والايديولوجية الاسلامية مجتمعة. وما ظهرت بدايته في مصر ما هو إلا أول حركة قومية شاملة عبر الوطن العربي، لا تتركز اهدافها او تحركاتها على إسقاط شخص أو عزله او إقصاء آخر، وإنما على قيم شاملة وعالمية متعارف عليها، مع هدف التغلب على الضعف والتخلف اللذين انتجتهما النظم والايديولوجيات السابقة بقادتها ورموزها.

يمكنني أن أفهم اسباب قلق اسرائيل وبواعث مخاوفها، فعلاقتها المستقرة والثابتة مع الرئيس السابق حسني مبارك، كانت توازيها علاقة من الشكوك القوية مع الشعب المصري، لكن استقرار مصر تحت حكم نطام مبارك كان على حساب هذا الشعب الذي ظل يستوعب حتى لم يعد هناك أي مجال للمزيد.

ولعل افضل شيء يمكن ان تقوم به الولايات المتحدة نحو الديمقراطية المصرية الجديدة هو ان تساعدها في كيفية تعزيز نفسها، وتدعيم موقفها ذاتيا، وان تسارع الى الاعلان ان المساعدات السنوية الاميركية لمصر ستتم في في موعدها دون تغيير او نقصان، لبناء مدارس جديدة بمواصفات عالمية من اسوان الى الاسكندرية.

واثناء سيري الى ميدان التحرير ذات يوم التقيت خمسة من الشبان، كانوا يسهمون في تنظيف الميدان وجدران مبانيه من الشعارات المناهضة لمبارك والمطالبة برحيله، فسألتهم: لماذا تفعلون ذلك؟ فأجاب احدهم: لأنه لم يعد رئيساً لنا بعد الآن، وان الشعب لم يعد راغباً في رؤية حتى مجرد اسمه كهدف للسباب او الاذى.

ومن على شرفة غرفتي في الفندق ألقيت نظرة، فوجدت أكوام النفايات من ورق وكرتون وعلب وزجاجات فارغة وغيرها على جوانب الارصفة والطرقات على ضفاف النيل، فقلت لو كان هذا المشهد في سيدني او سنغافورة او اسطنبول لسارعت الحكومة الي إنشاء ممرات للعائلات للمشي ومسارب للتجول والتنزه.

ومن وجهة نظري، فإن ذلك كان الجريمة الاكبر التي ارتكبها مبارك بحق شعبه، فلم تكن له رؤية أو قدوة أو ملهم، ولم تكن له الارادة لتحقيق إنجاز كبير في مجال التعليم، وكان دائم التشدق عن تلك الصورة الحضارية العظيمة لمصر، المستمدة من الماضي، ومن هنا فإنني أشعر بالاسف لأولئك المصريين الذين يطالبون باستعادة الاموال التي سرقها مبارك وعائلته، ولا شك لدي في ان ذلك جريمة حقيقية، ولكن جريمته رئيساً هي بكل تأكيد أكبر ومدعاة لشعور اعمق بالذنب من السرقة وهي: ان فقر مصر وحرمانها من تحقيق الثروة ومستوى افضل من التعليم والحياة بشكل عام على مدى 30 عاماً إنما هي بسبب انعدام الرؤية لديه، وإذا وجدت فهي فقيرة، إضافة الى عجز المقربين منه وفشلهم.

وقال لي الكاتب المسرحي المصري علي سالم، عن مبارك «إنه فرعون بلا مومياء»، وما تركه من اثر فهو قليل «وكل مواطن مصري يحمل في داخله 100 حكاية قصيرة عن معاناته، وقصصاً كبيرة عما لحق به من آلام، فكل أسرة ستدفع مالاً مقابل الدروس الخصوصية لابنائها، بسبب تردي احوال المدارس والتعليم بشكل عام، فهل يمكنك تصور ذلك؟».

الأكثر مشاركة