نوارة نجم: اعتقدنا أن تظاهرة 25 يناير لن تزيد على 500 فرد
أنا من جيل مصري لم يعرف قادة آخرين غير الرئيس حسني مبارك، وعندما قتل الرئيس السابق أنور السادات كان عمري سبع سنوات، ولا أتذكر الكثير عنه باستثناء أنه كان يأخذ أحياناً بالصراخ أثناء إلقاء خطاباته التي كانت تستمر في بعض الاحيان ساعات عدة. وأتذكر احياناً الاعتقال الدوري والمنتظم لوالدي (الشاعر أحمد فؤاد نجم ) ووالدتي (الكاتبة صافيناز كاظم) لأسباب غير معروفة.
وبدأ مبارك حكمه بإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين الذين اعتقلهم السادات، واستبدلهم بسجناء سياسيين خاصين به، وأكد للعامة انه لن يستمر في الحكم أكثر من فترتين رئاسيتين، ولكنه استمر لمدة 30 عاماً، لأنه قال إنه الوحيد الذي يستطيع ضمان «حماية الامن والاستقرار »، وترجم ذلك الى حكم دائم عن طريق فرض قوانين الطوارئ، إذ يقوم بتجديدها كل عامين، وعادة ما كانت تحدث (عن طريق الصدفة البحتة) بعض التفجيرات الإرهابية قبيل موعد تجديد قانون الطوارئ، الامر الذي يجبر مجلس الشعب على التصويت على تجديد قانون الطوارئ.
وانتشر التعذيب المنظم على نطاق واسع، وكانت بعض طرق التعذيب من ابتكار رجال الشرطة المصرية، في حين تم استيراد طرق أخرى من الولايات المتحدة. وتشكلت جماعة كبيرة سحقها الفقر والعوز، أخذت تفكر في المواسم الانتخابية، سواء البرلمانية المحلية او الرئاسية، باعتبارها احتفالات يمكن أن يحصل فيها كل فرد على بطانية ووجبة طعام وربما سترة صوفية، مقابل مهمة بسيطة تتمثل في الدخول الى خيمة الانتخابات ووضع اشارة «نعم »، في الدائرة الخضراء. وأما بالنسبة للطبقة المتوسطة، فقد تعين على افرادها العمل ليلاً ونهاراً كي يكسبوا بعض المال المزيف، لأنه يذهب في نهاية الامر الى المصارف.
ولم تكن الدعوة للتظاهر في 25 يناير الماضي هي الاولى من نوعها، بل ان هناك العديد من الدعوات للتظاهر ضد الارتفاع المذهل للاسعار، والتعذيب، وقانون الطوارئ، ومبارك، وللمطالبة بالحد الادنى من الاجور، والتي كانت تظهر بصورة يومية على الـ«فيس بوك». واستجبت لدعوة 25 يناير كما استجبت للدعوات التي سبقتها، مقتنعة بأن التظاهرة يمكن أن تتكون من 500 شخص في أفضل الاحوال.
وفي حقيقة الأمر، فإن تلك التظاهرة بدأت فعلاً في ذلك اليوم بنحو 500 شخص تقريبا، ولكن بعد ذلك انضم اليها عابرو السبيل حتى وصل العدد الى 50 ألفاً عند صولنا الى ساحة «التحرير». وكسرت الجماهير حاجز الخوف. وفي اليوم التالي تضاعف عدد المتظاهرين وبعد ذلك بدأ التخطيط حول كيفية مراوغة قوات الامن. وفي اليوم الثالث تضاعف العدد ايضاً. وعندما قرر النظام استخدام أقسى اشكال القوة والقمع لإنهاء هذا الوضع تماماً، قرر المتظاهرون في الساحة أنهم سيجازفون بتعرضهم للطلقات النارية. وكانت قوات الامن تريد قتل المئات كي ترهب الملايين، وكانت الخطة الوحيدة لإفشال خطة الأمن هو ان تتخذ هذه الجموع قرارا جماعيا بأنها لن تخشى الموت، وكان ذلك هو المفتاح الاساسي للثورتين التونسية والمصرية.
ولكن لماذا لم يعد يخشى الناس الموت؟ لا أحد يدري، فلم يكن ذلك تديناً فقط، ولم يكن الفقر، ولم يكن اليأس ايضاً، ربما يكون الجواب هو الكرامة الانسانية، اذ ليس هناك قوة ولا حاكم قمعي يمكن ان يحرم البشر منها، وكسر الشعب حاجز الخوف واكتشف أنه ليس بحاجة الى قائد أو قيادة، وأنهم ليسوا بحاجة أيضاً الى قوات أمن للحفاظ على «الامن والاستقرار»، اذ إن هذه الثورة هي ثورة الشعب.
نوارة نجم: صحافية وناشطة سياسية ومتحدثة باسم المتظاهرين في ساحة التحرير.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news