«جريمة ديفيس» تكشف عمق التحالف الرسميبين أميركا وباكستان
في الـ27 من الشهر الماضي اعتقلت الشرطة الباكستانية المواطن الأميركي رايمود ديفيس في مدينة لاهور، بسبب اطلاقه النار وقتله اثنين من الباكستانيين أثناء ازدحام مروري، وعندها توقع الباكستانيون أن ما سيحدث سيكون الاسوأ على الاطلاق، وأن ضرراً بليغاً سيصيب «الشراكة الاستراتيجية» الحيوية للبلدين.
ويبدو ان الرواية التي استطاع الباكستانيون تجميعها من التقارير الصحافية والاحاديث التي يجريها المسؤولون في وسائل الإعلام، اكثر تشويقا من غيرها، فقد اكتشفوا ان ديفيس لم يكن ضمن قائمة الدبلوماسيين الأميركيين المعتمدين التي كانت السفارة الاميركية في باكستان قدمتها لوزارة الخارجية في الـ25 من الشهر ذاته، أي قبل الحادث بيومين، وكان ديفيس في يوم الحادث قد تناول غداءه في لاهور مع شخصية (مجهولة الاسم) في مطعم شهير، وكان يحمل مسدسا من نوع «غلوك» معبأ برصاص ام ،16 وأطلق النار على أحد الرجلين من الامام مرة واحدة ومن الخلف ثلاث مرات، اما الثاني فكان نصيبه ثماني طلقات معظمها في الصدر.
وبدلاً من الهرب بقي ديفيس في موقع الحادث لتصوير القتيلين، إذ كانت سيارته مجهزة بكاميرا فيديو وراديو. وتروي وسائل الاعلام الاميركية ان لديفيس علاقة بشركات عاملة في ولاية فلوريدا يطلق عليها «هايبريون بروتيكتف كونسلتانتس»، وتعتقد بعض وسائل الإعلام انه عميل لوكالة الاستخبارات الاميركية المركزية، وكان يتناول الغداء معه مخبر او عنصر من مباحث العمليات الارهابية.
هذا العمل اغضب الباكستانيين الغاضبين أصلا من هجمات الطائرات الاميركية من دون طيار على أهداف داخل بلادهم.
شيرين مزاري من حزب «تحريك انصاف»، الباكستاني الذي يتزعمه لاعب الكريكت السابق عمران خان يقول «أميركا درجت على قتل الباكستانيين والهروب بجلدها من الجرم».
والاحتجاجات المناهضة لأميركا التي أثارها ديفيس صبت جزئياً داخل حملة اخرى تتمثل في تأييد فئات الشعب الباكستاني القانون المناهض لـ«التجديف» وهو القانون الذي طالبت اميركا وبعض الدول الاخرى باكستان بإلغائه او تعديله، لأنه يعاقب بالإعدام كل «مجدف»، تحت قرائن «واهية»، فقد سير اليمين الاسلامي تظاهرات ضد أي تغيير لهذا القانون، كما ان هذا التعديل ليس في الحسبان في الوقت الراهن على الاقل بعد اغتيال حاكم ولاية البنجاب سلمان تيسير الشهر الماضي، لأنه أيد تغيير هذا القانون.
هذا من شأنه الا يترك للرئيس الباكستاني آصف علي زرداري، أي مجال للتدخل في قضية ديفيس، وما عليه سوى ان يخبر الحكومة الاميركية بأن المحاكم الباكستانية هي الجهة المختصة للفصل في هذه القضية، وان أي تدخل من شأنه ان يفجر الغضب الشعبي، الا ان زرداري يحتاج إلى أميركا اكثر من أي وقت مضى، فباكستان لاتزال تعاني تأثير فيضانات العام الماضي، وهي الاسوأ في تاريخ البلاد، والتي اثرت في 20 مليون مواطن في الوقت الذي ضربت الفوضى الممولين المحليين، ويطالب فيه أيضا صندوق النقد الدولي بإجراء إصلاحات سياسية ومالية في البلاد، وتعتبر اميركا المانح الاكبر لضحايا الفيضانات، والمصدر الرئيس للمساعدات الاخرى.
وفي المقابل، فإن اميركا تحتاج بشدة إلى باكستان، إذ انها مارست ضغوطاً على الجيش الباكستاني من اجل ان يتمركز شمال وزيرستان التي تعتبر احدى المناطق القبلية، للعمل ضد الميليشيات التي تستخدم هذه المنطقة قاعدة لعملياتها في افغانستان، وان أكبر خوف يتملك القوات الغربية في افغانستان لا يتمثل فقط في استيلاء الميليشيات على هذه المنطقة التي يبلغ عدد سكانها 30 مليون نسمة فقط، وانما ايضاً في انتشار التشدد في بلد يبلغ عدد سكانه 190 مليون نسمة، وتمتلك ترسانة نووية تقترب عدد رؤوسها النووية من 100 رأس نووي. فبقدر ما يتنافر البلدان فإنهما في الوقت نفسه يحتاجان إلى بعضهما بعضاً.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news