«القاعدة» غير موجود في «الزاوية» الليبية
من النادر أن نجد نظاما متسلطا يقدم للعالم دليلا على مدى دمويته وانتهاكاته، لكن هذا هو بالضبط ما فعله العقيد معمر القذافي. ففي واحدة من أغرب حالات الإخفاق في العصر الحديث، حشدت حكومة القذافي صحافيين أجانب في طرابلس، وأرسلتهم إلى مدينة الزاوية، التي تقع على بعد 50 كلم إلى الغرب، حيث يتصارع مناوئو ومؤيدو القذافي.
أخبرنا مسؤولون ليبيون بأننا سنجد هناك ما يزيد على 200 أصولي إسلامي ملتح، متمترسين داخل المسجد الكبير، ويدعي المسؤولون أن هؤلاء بعض من رجال «القاعدة»، تسللوا داخل البلاد لتدميرها. ويصفهم نجل الزعيم الليبي سيف الاسلام القذافي، بأنهم «أبناء اسامة بن لادن يرقصون على ظهور الدبابات»، في محاولة منهم لاستدرار بعض من الدعم الغربي. ما وجدناه هناك كان مئات الآلاف من رجال الزاوية الشجعان، الذين حملتهم الجرأة على المطالبة بحقوقهم، والذين صمدوا أياماً في وجه النيران المتواصلة، وهم الآن محاصرون ويسقط منهم العشرات من القتلى والجرحى، ولكنهم لايزالون يسيطرون على المنطقة حول الميدان المركزي، ويصممون على البقاء هناك، حتى يقضي عليهم القذافي، أو يقضون عليه. لم نكن نتوقع شيئاً من قبيل رجال «القاعدة»، عندما انطلقنا من «طرابلس الحصينة»، التي يحرس مداخلها الغربية دبابات وجنود مسلحون بأسلحة رشاشة ثقيلة، ونقاط تفتيش يديرها رجال في زي مدني يحملون رشاشات شبه أتوماتيكية. وعندما اقتربنا من منتصف مدينة الزاوية، شاهدنا جدرانا عليها كتابات مثل «ليبيا الحرة»، «القذافي ارحل»، ومباني مهجورة مكسرة نوافذها، ومتاريس صنعت من البرادات وبراميل النفط الفارغة وجذوع النخل، وحتى بعض الحفارات الميكانيكية. ثم شاهدنا علما كبيرا ممزقا يعود للحكومة الملكية السابقة يرفرف على مدخل ساحة الشهداء، إضافة إلى دبابتين صودرتا من الجيش ومدفع مضاد للطائرات مثبت على شاحنة، وحول ذلك يلتف مواطنو الزاوية الذين بدأوا يهتفون، كأنما نحن فرسان جئنا لنجدتهم، ثم أطلقوا طلقات من المدفع المضاد للطائرات، احتفاء بمقدمنا، ثم هتفوا «الله أكبر من القذافي»، و«الشعب يريد نهاية النظام». ثم أطلعونا على قبور حفروها في الميدان، لاتزال خالية، وهي ترمز إلى تصميهم على الموت في سبيل حريتهم، ثم أرونا عددا من المباني بما في ذلك المسجد ومنارته التي تعرضت لطلقات من رشاش ثقيل عيار 14.5 ملم، وأصيبت بعدد من الأخرام في حجم قبضة اليد، وعرضوا علينا صورا مأخوذة بالهواتف الجوالة لمتظاهرين اصيبوا بطلقات نارية، واثنين من الجنود أخذوهم أسرى، والرشاشات التي غنموها، وحموا بها أنفسهم في ما بعد.
الطبيب يوسف مصطفى، الذي يعمل داخل ساحة المسجد، يقول «لدينا 24 من القتلى، لم أشاهد شيئا مثل ذلك في حياتي». يضيف مصطفى أن «المستشفى المجاور استقبل 14 قتيلاً و65 جريحاً، وهناك تسعة مرضى في العناية المركزة، بعضهم من الجنود»، إلا أن الطبيب هيثم عمران يقول إن الكثير من المرضى خرجوا من المستشفى، خوفا من القبض عليهم. وعلى أحد الأسرة يرقد شخص يسمى عاصم، تعرض لطلقة في حلقه، ولا يستطيع الحديث، لكنه ابتسم ورفع إصبعيه بعلامة النصر.
في الميدان في الخارج، نشاهد بالكاد أشخاصاً ملتحين دعك من مخربين أجانب، كما يدعي النظام الليبي. يقول عبدالكريم ناصر مدير إحدى الشركات «لا يوجد أحد هنا ينتمي لـ«القاعدة»، وإن القذافي اخترع قصة «القاعدة»، ليستقطب الدعم العالمي، من أجل القضاء على الشعب الليبي».
عدنا إلى سياراتنا، واتجهنا صوب طرابلس، محتارين نتساءل: لماذا أخذنا النظام الليبي إلى مدينة الزاوية؟ هل صدق أكذوبته؟ وعند عودتنا إلى طرابلس، حولنا نظام القذافي مرتين إلى تظاهرات مساندة له، لكننا لم ننخدع هذه المرة.