تدخّل الغرب في ليبيا يحتاج إلى خارطــــة طريق
إذن.. فقد قررنا اتخاذ «التدابير الضرورية كافة»، لحماية المدنيين في ليبيا، أليس كذلك؟ أليس من الخزي والعار أننا لم نفكر في ذلك قبل 42 عاما؟ أو 41 عاما؟ حسنا إنكم تعرفون بقية القصة، علينا ألا ننخدع بما يهدف إليه قرار الأمم المتحدة، لأنه يعني مرة أخرى تغيير النظام، كما حدث في العراق، دعوني أستخدم إحدى عبارات الصحافي توماس فريدمان، عندما يذهب آخر دكتاتور، فالله أعلم ما نوع الخفافيش التي ستخرج إلينا من الصندوق!
بعد تونس ومصر، جاء الدور على ليبيا، أليس كذلك؟ عرب شمال إفريقيا يطالبون بالحرية والديمقراطية والتحرر من جميع أنواع الاضطهاد، نعم ذلك ما يميز معظم تلك البلاد، ولكن أيضا ما يميز تلك البلاد هو أن الغرب هو الذي رعى دكتاتوريات هذه الأمم لعقود عدة، فرنسا رعت الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، واحتضن الأميركيون الرئيس المصري السابق حسني مبارك، بينما تولى الإيطاليون رعاية الزعيم معمر القذافي، إلى الحد الذي ذهب فيه قادتنا الأماجد إلى بعثه من جديد بعد موته السياسي. دعونا نرفع الستار قليلا، لنرى ما وراءه، نعم القذافي رجل معتوه على مستوى الرئيس أحمدي نجاد، أو وزير الخارجية الإسرائيلي أفغيدور ليبرمان، الذي قال ذات مرة «فليذهب مبارك للجحيم»، لكنه شعر بزلزال الخوف عندما تنحى مبارك. يبدو أن الشرق الأوسط ينجب أمثال هؤلاء المعتوهين، وفي المقابل فإن أوروبا خلال الـ100 سنة الأخيرة فقط، أنجبت سلفيو برلسكوني، وبنيتو موسوليني، وجوزيف ستالين، لكننا الآن بدأنا ننظف الشرق الأوسط، وننسى ماضينا الاستعماري في هذه الوحول الرملية، وعندما ينذر القذافي أهالي بنغازي بأنه سينظف المدينة «بيت بيت شارع شارع زنقة زنقة»، فإننا بالطبع سنعتبر التدخل مهماً من الناحية الإنسانية، وفي جميع الأحوال ليس هناك «جندي واحد من جنودنا على الأرض».
وفي حقيقة الأمر، فإن السلطات إذا قمعت مثل هذه الثورة، دعنا نقول في موريتانيا مثلا، فإننا لن نطالب بفرض منطقة خالية من الطيران، ولن نطالب بذلك، لا في ساحل العاج، أو أي بلد في إفريقيا، ليس بها نفط أو غاز أو معادن ثمينة، أو إذا لم تكن تلك البلاد تلعب دوراً مهماً في حماية إسرائيل، ولعين هذا السبب اهتممنا بالشأن المصري.
هناك أمور صغيرة قد تخرجنا عن دائرة السيطرة، ففي الوقت الذي لاتزال فيه تلك الخفافيش تتناسل في ظلمة الصندوق، علينا أن نفترض أن القذافي قد يتمسك بطرابلس، على الرغم من تدمير الفرنسيين والبريطانيين والأميركيين جميع مطاراته، ومهاجمة كل مدرعاته وبطاريات صواريخه، لقد لاحظت، يوم الخميس الماضي، قبل تصويت الأمم المتحدة على القرار، كيف أن الـ«بنتاغون» بدأ في إيجاز الصحافيين بالمخاطر المترتبة على جل الموقف، وكيف أن الأمر قد يستغرق «أياماً»، لفرض المنطقة الخالية من الطيران.
ثم كان هناك الخداع الذي مارسه القذافي، لقد شاهدنا البارحة، عندما أعلن وزير خارجيته وقفا لإطلاق النار، وإنهاء «للعمليات العسكرية»، مدركا بالطبع أن قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو)، التي أخذت على نفسها عهدا بتغيير النظام، لن تقبل أبدا بهذا الإعلان، لكنه، أي الإعلان، سيظهر القذافي زعيماً عربياً محباً للسلام، وأنه ضحية للعدوان الغربي، «كأنه عمر المختار ينبعث من جديد».
وماذا سنفعل إذا استمرت دبابات القذافي في المضي قدما؟ فهل سنرسل مرتزقتنا لمساعدة «الثوار»؟ هل سنقيم «متجرا» مؤقتا في بنغازي يضم جميع المعلنين والمنظمات غير الحكومية والبعثات الدبلوماسية الفارغة؟ والآن، وفي خضم هذا الموقف الحرج، لم نعد نتحدث عن القبائل الليبية، أولئك المحاربين القساة، الذين استنجدنا بهم قبل أسبوعين، بل أصبحنا نتحدث الآن عن ضرورة حماية «الشعب الليبي»، ولم نعد نلتفت إلى السنوسي، تلك المجموعة القوية من الأسر القبلية في بنغازي، التي يتحمل رجالها جل القتال، الملك إدريس الذي أطاحه القذافي عام ،1969 كان من قبيلة السنوسي، ذلك العلم الذي يتكون من الأحمر والأسود والأخضر «علم الثوار»، هو بالفعل علم ليبيا القديم، وهو علم إدريس السنوسي. لنفترض الآن أنهم (الثوار)، دخلوا طرابلس فهل سيجدون الترحيب هناك؟ نعم فهناك احتجاجات في العاصمة، إلاأن معظم المحتجين الشجعان جاءوا من بنغازي، ماذا سيفعل مؤيدو القذافي؟ هل سيذوبون فجأة؟ وهل سيكتشفون فجأة أنهم يكرهون القذافي في نهاية الأمر وينضمون إلى الثورة؟ أم سيواصلون الحرب الأهلية؟ وماذا لو دخل الثوار طرابلس، وطلبوا من القذافي وابنه سيف الإسلام الاجتماع بهم للوفاء بحاجاتهم؟ فهل سنغمض أعيننا للقتل الانتقامي والمشانق العامة، التي سيتم نصبها؟ ثم هناك تلك القنابل التي نطلقها وتصيب المدنيين، وطائرات الـ«ناتو»، التي قد يتم إسقاطها، أو التي قد تسقط داخل مناطق القذافي، وهناك التشكك الذي قد يعتري الثوار والشعب الليبي ودعاة الديمقراطية بأن الغرب في نهاية الأمر له أهداف أخرى من وراء مساعداته تلك.
لقد أحببنا القذافي، عندما استولى على السلطة عام ،1969 وبعد أن بدا منه السوء كرهناه، ثم أحببناه مرة أخرى، والآن كرهناه مرة أخرى. الشيء نفسه كان ينطبق، من وجهة نظرنا، على الزعيم الراحل ياسر عرفات، فقد كان في البداية إرهابيا يرغب في تدمير إسرائيل، ثم صار رجل دولة عظيماً، عندما صافح إسحق رابين، ثم اصبح إرهابيا عظيما مرة أخرى، عندما شعر بأنه انخدع في ما يتعلق بمستقبل فلسطين.
عدنا مرة أخرى إلى ممارسة الشيء نفسه، ندق على الطاولة بقوة ووحدة، لم يكن أمامنا خيارات عدة، إلا إذا أردنا أن نرى سربرنيتسا جديدة، لكن دعونا ننظر ملياً، ألم تحدث سربرينتسا، بعد أن فرضنا منطقة حظر جوي فوق البوسنة؟