صحافي اعتقله القذافي:احتجزوني في صندوق دون نوافذ
كنت أنا والصحافي البرازيلي اندري نيتو نشق طريقنا قادمين من غرب ليبيا في اتجاه الزاوية بمعية الثوار، لم نتمكن من الوصول الى الزاوية في ذلك المساء كما هو مخطط له، ولهذا السبب انحرفنا نحو صبراتة التي تقع على بعد 12 ميلاً الى الغرب منها.
وبدا واضحاً أن القوات الموالية للقذافي استعادت صبراتة وأحكمت سيطرتها عليها. كانت مباني الشرطة والاستخبارات في المدينة محترقة تماماً إلا ان القوات الموالية للقذافي رفعت عليها أعلام النظام الخضراء.
استهداف الصحافة يتعرض صحافيون من جميع أنحاء العالم للاستهداف من قبل قوات أمن القذافي، فقد تسلمت السفارة التركية في طرابلس أخيراً أربعة صحافيين من صحيفة «نيويورك تايمز» بعد ستة ايام من اعتقالهم في أجدابيا. هؤلاء الاربعة الذين لايزال سائقهم مفقوداً أكدوا أنهم تعرضوا للمضايقة الجنسية وتلقوا تهديداً بقطع الرأس. ويقول المسؤول عن لجنة التنسيق لحماية الصحافيين في الشرق الاوسط، محمد عبدالدايم «الحكومة الليبية تستهدف وسائل الاعلام بشكل متكرر». ويضيف «وهذا نابع من سعي النظام المتسلط للحد من تدفق المعلومات، بيد أن هذا السلوك هو الاكثر سوءاً وله عواقب وخيمة على الصحافيين الموجودين على الارض». وفي الوقت الذي تم السماح لمعظم الصحافيين الغربيين بالتجول بحرية فإن نظراءهم من الدول العربية لم يكونوا محظوظين بما فيه الكفاية، فقد تعرض مؤسس القناة الليبية المعارضة ليبيا الحرة محمد النابوس للقتل بنيران القناصة عندما كان يغطي معركة بالقرب من بنغازي. كما تعرض أربعة من صحافيي «الجزيرة» للاعتقال ومصور للقتل، كما لم تعرف حتى الآن أي معلومات عن ستة صحافيين ليبيين تم اعتقالهم مباشرة بعد استفحال الأزمة في البلاد. |
افترقنا عن المجموعة التي ترافقنا من الثوار ودخلنا منزلاً تحت التشييد للاحتماء به من اعين جنود النظام الذين كانوا يجوبون الشوارع. وفي وقت متأخر من مساء ذلك اليوم شاهدنا أربعة رجال يقتربون منا يرتدون بزات سوداء ويحملون عصياً ما عدا واحداً منهم كان يحمل بندقية.
طوقوا المنزل ولم يكن ثمة مهرب. اخذوا منا هواتفنا الجوالة وأمرونا ان نسير قفزاً، أو «ما يطلق عليه قفز الضفدع»، مع خفض رؤوسنا نحو سيارة متوقفة قريباً من المكان، وانطلقت نحونا أقذع الشتائم «أنتم يا أولاد الحرام تريدون ان تطيحوا بالقذافي؟ سنريكم إذاً».
وضعوني في سيارة «بيك اب» أولاً ثم نيتو، وبينما كان يهم بالدخول هوى جندي بأنبوب معدني على رأسه، وجلس ذلك الرجل خلفنا ملوحاً بعصاه ويتدفق سيل الشتائم من بين شفتيه، وأخذونا الى مجمع قريب من المكان يحرسه رجال مسلحون. استجوبونا ثم عصبوا أعيننا واقتادونا الى سجن يبعد قرابة ساعتين عن ذلك المجمع، علمت في ما بعد أنه داخل العاصمة طرابلس.
فصلونا هناك عن بعضنا، ولم أر نيتو بعد ذلك ابداً، وخضعت للاستجواب مرة اخرى لأربع ساعات معصوب العينين، حيث سألوني عن سبب تعاوني مع هذه الصحيفةالبريطانية «الغارديان»، ثم انزلوني الى الزنزانة، وأزاحوا عني العصابة لأرى ممرا مضاء بالنيون يصطف على جانبيه 20 بابا حديديا كبيرا بها أقفال منزلقة وأرقام كتبت باللون الابيض.
في كل باب نافذتان صغيرتان في الاعلى والاسفل، كان هناك أكوام من القمامة بالقرب من تلك الأبواب، دفعوني داخل الزنزانة رقم 11 التي هي عبارة عن صندوق لا نوافذ له مساحتها 2.5 X 1.5 متر مدهونة بطلاء رمادي داكن، وفي تلك الزنزانة لحاف قذر وبطانية ووسادة أصبحتا بلون التراب من كثرة الاستعمال.
داخل الزنزانة حاجز قصير وراءه مرحاض مهشم المقعد تغطيه طبقة سميكة من الصدأ، وبه ايضاً حنفية مياه وسطل وتفوح منه رائحة المجاري لتغطي كل الزنزانة.
كان اليوم هو الاربعاء الثاني من مارس، حيث استمر حبسي فيه لأسبوعين، استمر صرير المزالج وهي تفتح وتغلق ليلا ونهارا، واعتدت على رؤية الجنود في ملابسهم العسكرية يسحبون السجناء المقيدين جيئة وذهابا. كان هناك على وجه الخصوص رجل طويل يرتدي ملابس مدنية ونظارة من دون إطار يبدو انه ذو رتبة كبيرة، يتحدث طول الوقت «جميع من اعتقلناهم من رجال القاعدة المتسللين»، وفي مرة أخرى اكد أن «رجال القاعدة يقطعون أعناق المدنيين ويحرقونهم ويأكلون قلوبهم».
في اليوم التالي غنى انشودة النصر للقذافي «اننا نحبه»، مكرراً «نحبه ونريده، إننا نحن الليبيين من اختاره وليس الغرب»، وواصل «معه رأينا الكثير من الاحداث وعشنا الكثير من التجارب وتجاوزنا الكثير من الأزمات وسوف نتجاوز هذه المحنة ايضاً، عشنا معه 42 عاماً لا أعرف احداً الا هو، ويريدون منا ان نتحول ضده، إنه ليس زعيمنا فحسب وانما فيلسوفنا ومفكرنا وكل شيء».
أعتقد أن هناك من هو اسوأ من حراس السجن، انه ذلك الصراخ وتلك الرائحة القذرة التي كانت تفوح من مسجون. كان هذا الرجل يصرخ ليلا ونهارا، في بعض الاحيان يصمت لوهلة ثم يبدأ من جديد ينتحب في ألم ظاهر.
وعندما يمر بجانبه حارس اوجندي فإنه يسأله في صوت مهذب «ألن تقدموا لنا الشاي والقهوة اليوم؟ ألن نحصل على صحف اليوم؟». علمت في ما بعد انه مثل كثير من السجناء الآخرين يخضع للاستجواب والضرب المنتظمين.
في الساعات الاولى من يوم الاحد السادس من مارس انفجرت معركة بالسلاح الناري خارج السجن، بدأت بطلقات قليلة من الاسلحة النارية ثم جاءت أصوات الاسلحة المضادة للطائرات، وكنا نسمع اصوات الأسلحة النارية تنطلق من مكان ما قريب من السجن. أصبح السجناء متحمسين ويتساءلون ما اذا كان الثوار يقتحمون السجن، وهل وصلت الانتفاضة الى طرابلس؟ وهل سيتم إنقاذنا؟ أطلق ذلك الرجل صرخة فرح في الوقت الذي بدأ السجناء في الزنزانة 12 دعاءهم «يا رب».
يوم الخميس العاشر من مارس أخذوني خارج الزنزانة الكبيرة ووضعوني في الزنزانة رقم 18 في الممر الاسفل، هذه ايضا قميئة وقذرة لكنني اتشارك فيها هذه المرة مع سجين آخر.
كان يجلس على بطانية مهترئة وظهره مسنداً على الحائط، أشار الي قائلاً «بنغالي»، كان يرتجف، وبعد دقائق من الصمت قال لي باللغة العربية «البرد، أخذوا مني جميع ملابسي».
اليوم التالي حولوني مرة أخرى الى سجن انفرادي، إلا انه في نهاية الاسبوع الثاني لاحظت تغيرا طفيفا في المعاملة التي أتلقاها في السجن.
في اليوم الثاني عشر أحضر لي أحد الحراس فرشاة أسنان، وفي اليوم التالي اعطوني شامبو وصابون استحمام، وفي اليوم الذي تلاه جاءت القهوة ومعها سيجارة.
لم يكن لدي أي معلومات عما يجري في الخارج من أحداث، ولم اجد أي تفسير عن اسباب اعتقالي على الرغم من أنهم اخبروني في التحقيق الأول أنهم سيطلقون سراحي في اليوم التالي.
يوم الثلاثاء مساء جاء ضابط وعلى وجهه ابتسامة عريضة ليخبرني بأنهم سيطلقون سراحي. عصبوا عيني واخذوني للحمام وأعطوني مرآة وشفرة حلاقة لكي احلق، لكنني لم اكن أرغب في الحلاقة، اصررت على ذلك وبعد ساعة أخبروني بأن اطلاق سراحي قد تم تأجيله.
في اليوم التالي الاربعاء 16 مارس أعطوني مفكرتي وكاميرتي وعصبوا عيني مرة أخرى، وأمروني ان استلقي على أرضية سيارة. ومضت السيارة مدة نصف ساعة قبل أن يقتادوني الى غرفة، وعندما نزعوا العصابة عن عيني اكتشفت أنني عدت الى زنزانتي، وقال لي ضابط «لقد ارتكبنا خطأ»، بعد ان أوصد باب الزنزانة.
بعد ساعتين من ذلك عصبوا عيني وأركبوني في السيارة مرة أخرى، وقال لي الضابط إن علي ان اذهب للمحكمة، وكان في السيارة حرسا مسلحا. توقفت السيارة وطلب مني الحرس ان أتحرك قريباً منه فنزع العصابة ورأيت أمامي مبنى كبيراً. جاء رجل آخر واقتادني عبر سلالم رخامية، في الاعلى وجدت ثلاثة من الزملاء من «الغارديان» في انتظاري لأخذي خارج ليبيا. وعلمت منهم أن الصحافي البرازيلي اندريل نيتو قد تم إطلاق سراحه قبل ستة أيام.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news