مقتل «فيتوريو» يفجّر مواجهة بين «حماس» و«السلفية الجهادية»

أثارت قضية اختطاف ومقتل المتضامن والمدون الإيطالي «فيتوريو اريغوني»، على يد جماعة أطلقت على نفسها اسم سرية الصحابي الهمام محمد بن مسلمة، الشكوك حول الجهة التي تقف وراءها، وأعادت إثارة قضية وجود الجماعات التي تنتهج منهج السلفية الجهادية المتشددة بقطاع غزة، فيما تعيد هذه الحادثة التي يشهدها القطاع للمرة الأولى منذ نكبة ،1948 حركة حماس، إلى مربع مواجهة هذه الجماعات، إذ تمثل عملية قتل اريغوني ضربة توجهها هذه الجماعات لحماس، باعتبارها تمس الأمن وقدرتها على تحقيقه، وتشوه صورة القطاع أمام حالة التضامن الدولي.

وكانت «حماس» واجهت إحدى جماعات السلفية الجهادية واشتبكت معهم أكثر من مرة، كان أعنفها عندما قضت على أول «إمارة إسلامية» تعلنها جماعة «جند أنصار الله»، السلفية بمدينة رفح جنوب قطاع غزة، في أغسطس من عام ،2009 وأسفرت هذه المواجهة عن مقتل أميرها عبداللطيف موسى وعدد من رفاقه. ويوجد في غزة جماعات سلفية دعوية، يقتصر دورها على المساجد والجمعيات الدعوية، فيما يوجد جماعات «سلفية جهادية»، امتلكت أخيرا سلاحا، وتبنت عمليات ضد إسرائيل، وتفجير مقاهٍ ومحال انترنت، وصالونات كوافير النساء، ومؤسسات مسيحية.

من جهته، قال عضو المكتب السياسي لحركة حماس محمود الزهار «إن حماس هي الحركة الوحيدة التي توصف بالسلفية الوسطية، إذ علمت الناس دينهم من مرحلة الروضة حتى الجامعة، وأقنعت كل العالم بأنها حركة جهادية وسطية تمثل الدين الإسلامي، وحددت علاقتها مع كل عناصر المجتمع من المسلمين والمسيحيين والتيارات العلمانية ومع الأمة العربية بالصورة التي مارستها». وأضاف «يخرج من بين هذه العباءات أناس ليس لديهم فقه إسلامي، ينظر في قضايا محددة، ويبني عليها مبدأ التكفير، حيث يصبح القتل لديه مبررا، وتصبح الإشكالية انحرافاً في السلوك، فلا يوجد بينهم من يقال عنه شخص عالم فمعظمهم شباب عادي ومنهم من له تاريخ سيئ». وتابع قوله «إن ما يحدث هو حالة استغلال ظروف معينة للشباب تلبسه فكرة معينة، ويظن أن الحكم في غزة هو دولة إسلامية وعليها أن تطبع شرع الله في كل شيء، مثل أن من يسرق يجب أن تقطع يده، وهو لا يدرك الظروف الاقتصادية الصعبة، وأن سيدنا عمر بن الخطاب في عام الرمادة راعى هذه الظروف، فهم لا يدركون أننا سلطة ولم نصل إلى حد الدولة أو الإمارة الإسلامية». ولا تقتصر خطورة هذه الحالات والجماعات، بحسب الزهار، على الوضع السياسي فقط، بل تشوه صورة العقيدة، وتصور أن المسلمين يقتلون أو يسجنون بعضهم، كما تبرر أن القتل هو ديني، أي أن الذي يقتل كأنه يجاهد في سبيل الله، وهذه القضية أخطر من أي انعكاس سياسي.

وأشار عضو المكتب السياسي لحماس، إلى أن هذه التصرفات تعطي فرصة لغير الإسلاميين أن يصوروا الإسلام على خلفية هذه الأحداث، حيث تصبح العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في البلاد العربية يحددها مثل هذه الحالات أو الأشخاص. وأوضح أن المعتقلين لدى «حماس» من الجماعات السلفية المتشددة تم اعتقالهم على أساس تفجيرات أو مساعدة على تفجيرات أو الإعانة على جرائم بحق المجتمع، وليس على قضايا فكرية.

وقال الزهار « نحن لا نعادي أي جماعة أو حالة سلفية لا ترتكب جرائم، ولا نعاديها على أساس فكري، ولكن نحن اعتقلنا ثلاثة أشخاص متورطين بقتل المتضامن الإيطالي فيتوريو أريغوني، وهناك ثلاثة آخرون فارون ونحن نلاحقهم ونطالب باعتقالهم، حتى يتم التحقيق معهم ومعرفة الجهات التي وراء هذه الحادثة». وأضاف «هؤلاء الأشخاص صغار في السن، تتراوح أعمارهم بين 20 و22 عاما، ليسوا طلاب علم أو علماء، هم شباب تلبسوا فكرة معينة ولا يريدون أن يقتنعوا بأي فكرة غيرها، ويعتبرون أن أي رأي غير رأيهم هو ضدهم». وفي ما يتعلق بحادثة قتل المتضامن الإيطالي اريغوني، تساءل الزهار عن سبب قيام هؤلاء الأشخاص بحادثة الاختطاف والقتل في الوقت الذي تهدد فيه إسرائيل بالتشويش على أسطول الحرية.

وقال القيادي بحركة حماس «إن حادثة قتل المتضامن الإيطالي لا أستطيع أن أبرئ الجانب الإسرائيلي منها، ومن نفذها لا أستطيع أن أنفي أن له علاقة بالاحتلال، فهذه الحالة حدثت قبل مجيء أسطول الحرية، ولها دلالات خطيرة بتوظيفها من الجانب الإسرائيلي بأن من يأتي لكسر الحصار غير آمن».

وتعالج «حماس»، بحسب الزهار، مثل هذه الحالات، بالفكر والنقاش العقلي، ويجلس معهم كبار العلماء من رابطة علماء فلسطين ويقنعونهم بمبادئ الوسطية، منهم من يدرك الحقيقة، ومنهم من يرتكب جرائم وتصبح القضية لا علاقة لها بالدين، ما يستدعي التعامل معهم على خلفية الجرائم.

واستشهد الزهار بحادثة المواجهة بين «حماس» وجماعة «جند أنصار الله» في رفح عام ،2009 وقال «قبل أسبوع من المواجهة توجه أحد شباب حركة حماس وهو قيادي في كتائب القسام إلى زعيم هذه الجماعة في مسجد ابن تيمية برفح، وناقشه فكرياً حول أفكارهم، والشيخ أبلغه أن يوم الجمعة يأتي إلى المسجد وسيسمع ما يسره، وفي طريقه للمسجد تم قتله، ففي هذه الحالة تحول الأمر إلى جريمة، ويجب التعامل معها على هذا الأساس، وقد اشتعلت الأحداث إلى مواجهة مسلحة».

من جهة أخرى، قال أحد قادة المنهج السلفي بغزة الشيخ عمر الهمص رئيس جمعية ابن باز للدعوة السلفية «إن الاتهامات التي توجه ضد السلفيين في القطاع تأتي في سياق حملة التشويه للدعوة السلفية في المنطقة، فقد أدت حادثة قتل الإيطالي إلى حملة تضييق واعتقالات بصفوف أعضاء الجمعية السلفية الدعوية». وأضاف الهمص في حوار لـ«الإمارات اليوم» «ليس لنا أي علاقة باختطاف ومقتل المتضامن الإيطالي، ونحن ضد قتله بأي حال من الأحوال، ونرحب بكل من يأتي إلى غزة، فنحن نعمل بقول النبي صلى الله عليه وسلم (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة)».

وتابع قوله، إن الجهات التي نفذت العملية معروفة لدى «حماس» ولا علاقة لنا بهم، فنحن ندين مبدأ التكفير والهجرة، فالمستقبل للسلفية الوسطية، ونحن نتبع الوسطية، كما أن دعاة السلفية رحماء، فلم تكن الدعوة السلفية في يوم من الأيام سببا في إشعال الفتن».

وأوضح الهمص أن أداة جماعته هي الدعوة والتربية والعلم الشرعي الذي يدعون له بين الناس بما جاء في الكتاب والسنة والسلف الصالح من الخلفاء الراشدين، مشيراً إلى أن أعداد دعاة السلفية الدعوية الوسطى بازدياد. وأضاف«نحن لا نحمل سلاحاً، ولبسنا ومظهرنا يدل على السلفية الدعوية وليس على القتال، رغم أننا نؤيد الجهاد والمقاومة».

الأكثر مشاركة