علــي يفقـد أطفالـــه الأربعـة بنيـران القذافي
تدفقت قوات العقيد القذافي داخل مصراتة ووصلت جوار منزل علي، كانت الطلقات تطير طائشة في الطريق، وكان عليه ان يتخذ قراراً مصيرياً، ويتساءل في نفسه: هل يمكنه الخروج من المنزل والهرب بأطفاله الأربعة وزوجته من هذا الجحيم؟ أم يظل داخل المنزل عسى ألا تهاجمه القوات؟
علي، البالغ من العمر 51 عاماً، الذي يعمل طبيباً مخدراً في مستشفى الحكمة بمصراتة، حاول المغامرة بحياته وحياة اسرته، طلب من زوجته لطفية (43 عاماً) الجلوس على المقعد المجاور له في سيارته، وأجلس أطفاله الاربعة، سالم (15 عاما)، آدم (ثلاثة اعوام)، بجوار أختيهما حواء (11 عاماً) وفاطمة (سبع سنوات)، وسار سالم بسيارته من منزله بالقرب من مستشفى مصراتة العام، قاصدا منزل اسرة زوجته الذي يبعد أميالا قليلة. كانت النيران كثيفة في الطريق الذي يستغله لهذا اضطر الى التوقف، ثم فاجأه انفجار من خلفه يصم الآذان، وعندما أفاق من ذهوله وجد الدم يسيل من رأسه، وأدرك لتوه انه خسر رهان مغامرته في الخروج من المنزل. يقول علي «كان الجانب الأيمن من رأس ابني سالم مفقودا بكامله، وفقدت ابنتي حواء الجانب الايسر من وجهها، لانهما كانا جالسين بالقرب من نوافذ السيارة، اما اخواهما في المنتصف ففقدا رأسيهما». كان شجاعا فطلب من زوجته ان تخفض رأسها ولا تنظر للوراء، كانت تنادي على ابنائها بأسمائهم، ثم جاء احد جنود القذافي وأمرهم بأن ينزلوا من السيارة، وأخذهم الى متجر قريب وأغلق عليهم باب الحمام، طلبت منهم زوجته ان يطلب من الجندي السماح لها برؤية الأطفال على الرغم من علمها بأنهم ماتوا جميعا.
يقول «تعتقد زوجتي انه ربما يكون احد الأطفال لايزال حياً».
لم يكن الدكتور علي في تلك اللحظة مهتما إلا بحالة زوجته الصحية والنفسية، ولم يطلب من الجنود رؤية اطفاله، لعلمه بأنهم ماتوا، وبعد لحظات جاء الجندي وطلب منهم ان يهربوا جرياً من المكان بمجرد ان يفتح لهم الباب، يقول علي «اعتقدت أنه سيطلق علينا النار، لهذا أخبرته بأننا لن نخرج من هنا».
بعد 90 دقيقة تم نقلهما على سيارة حاملة للجند للجزء الآخر من المدينة، ولاتزال زوجته تلح في معرفة المزيد من المعلومات عن ابنائها، فأمرها الجنود بإغلاق فمها، وأمرها علي بألا تتفوه بكلمة، ويبرر ذلك بقوله «لأنني اخشى ان يأخذوها الى مكان آخر ولا استطيع ان امنعهم»، ويضيف «أعلم ان اطفالي ماتوا جميعا وغير مهتم الآن إلا بها».
أخيراً أطلقهما الجنود، وأخبره احدهم بالذهاب الى منزل قريب، مشيرا إلى ان هناك عائلة لاتزال تعيش هناك، ويمكنهم الانضمام إليها إلى ان ينجلي الموقف. قرع علي الباب ورحب به احد الأشخاص وأخذهما للداخل، حيث قضيا الليلة هناك.
يقول علي أخبرت صاحب المنزل بأنني «لا أريد ان اترك جثث اطفالي هناك، خوفا من ان تأكلها الكلاب الضالة».
في اليوم التالي ذهب علي إلى مستشفى الحكمة، حيث يعمل، فوجد ان احد الأشخاص نقل سيارته الى هناك، فاستطاع ان يدفن أطفاله في مقبرة المدينة في ذلك اليوم.
ملأت عينيه الدموع عندما وجد في حقيبة يد حواء بطاقة تهنئة بعيد الأم كانت قد اعدتها مفاجأة لوالدتها لتهنئتها بعيد الأم «كتبت على البطاقة: عيد سعيد يا والدتي، اننا نحبك جميعاً».
يقيم الآن هو وزوجته في منزل أصهاره، ولا يستطيعان الحديث عن أطفالهما، لكن كلما دخل المستشفى طفل مصاب تعود ذاكرته إليهم. ويحتفظ بصورهم في هاتفه النقال. هذه الصور تم التقاطها قبل ان تهاجم قوات القذافي المدينة، وتظهر الصور فتاتين تزينان خديهما بالعلم الليبي القديم الذي يرفعه الثوار. يقول علي «سأتذكر اطفالي دوما ولن انساهم أبدا»، كما انه لايزال يحتفظ كتذكار بالشظية التي أصابته وأخرجها زملاؤه من ظهره. يقول مجاهداً الدموع في عينيه «عندما أغلق عيني للنوم أراهم أمامي جميعاً».