كيري دعم مطالبة جبريل بالإفراج عن بعض أموال القذافي المجمدة. أ.ف.ب

المعارضة الليبية تعــزز شـرعيتهـــا الدولية

على الرغم من أن نائب رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي محمود جبريل شخصية يائسة، إلا انه مولع بالتشبيهات الطبية، وقال للدبلوماسيين وجماعات الضغط والناشطين المؤيدين للديمقراطية الذين تمت دعوتهم الى حفل استقبال في منزل السفير الليبي في واشنطن، يوم الخميس الماضي «إذا كنت تنزف بصورة خطرة تنذر بالهلاك فأنت في حاجة لوقف النزيف فوراً وليس الى المزيد من التشخيص».

وكانت هذه الزيارة الرسمية الاولى لجبريل والممثلين الآخرين للمجلس الوطني الانتقالي، الذي يكافح من اجل نقل ليبيا من حكم العقيد معمر القذافي الدكتاتوري، الذي طال لمدة 42 عاما، الى مستقبل ديموقراطي. وغادر هذا الوفد واشنطن نهاية الاسبوع الماضي وهو محمل بالنوايا الطيبة، ولكن من دون الاداة التي تقوم بقطع النزيف. وكان جبريل قد طلب ثلاثة مليارات من أصل 32 مليار دولار من الاصول الليبية التي تم تجميدها في فبراير الماضي.

وبعد يومين تقريباً من اللقاءات المتواصلة بين الوفد الليبي واعضاء الكونغرس الاميركي، ووزارتي الخارجية والدفاع، ومستشار الامن القومي توم دونيلون، اصدر البيت الابيض بياناً مقتضباً اعتبر جبريل والوفد المرافق له أنهم «يتمتعون بالصدقية والشرعية»، وتعهد البيت الابيض ايضا بالمساعدة على تسريع مشروع القرار الذي اقترحه السيناتور جون كيري، وأيده السيناتور جون ماكين، للسماح للمعارضة الليبية بالحصول على 180 مليون دولار من الاموال الليبية المجمدة.

ولكن هذا التشريع يستغرق وقتا طويلا، كما أن السيناتور ريتشارد لوغار لا يرغب في المزيد من التورط في ليبيا، وكل ذلك لا يعتبر اشارة إلى التحرك السريع. ويمثل الوقت سلعة ثمينة بالنسبة للثوار، الذين يقولون إنهم على حافة الافلاس. وقال مسؤول النفط والمالية في المجلس علي الترهوني، انه حتى لو تمت الموافقة على المبلغ الذي اقترحه كيري، فإن الاموال المتوافرة حاليا لا تسد تكاليف الطعام والطاقة في المناطق المحررة من ليبيا لمدة تراوح بين 10 الى 12 يوماً. وأضاف «نحن نقدر فعلا كل ما تقوم به الولايات المتحدة، لكنه لا يحل لنا المشكلة التي نواجهها، فانا أحاول الآن ادارة اقتصاد حرب من دون موارد. ونحن لانطلب من الاميركيين دفع اموال من دافعي الضرائب الاميركيين، وانما السماح لنا بالحصول على اموالنا المجمدة فقط، أو الحصول على قروض نستخدمها رهناً».

وأكد الترهوني انه يأمل ان تقدم قطر والامارات المزيد من مواد الاغاثة. واشار الى ان مواد الدعم التي جاءت من هاتين الدولتين، إضافة الى فرنسا وايطاليا وبعض الدول الافريقية التي تعترف بالمجلس حكومة شرعية، كانت «أكثر من رائعة».

وعلى الرغم من ان الوفد غادر واشنطن خالي الوفاض، إلا انه تمكن من تحقيق بعض التقدم، حسبما ذكرته بعض المصادر الليبية والاميركية. وذكّرت زيارة الوفد اميركا انه بينما واشنطن في حالة تردد فإن مزيدا من الليبيين يموتون يومياً.

واشار جبريل الى انه استنادا الى تقديرات المشافي فقد قتل حتى الآن اكثر من 11ألف ليبي خلال 12 اسبوعاً من القتال. وتقول مصادر الامم المتحدة ان اكثر من 8000 فروا من ليبيا، وان 1.6 مليون داخل ليبيا في حاجة الى المساعدة.

وخففت هذه الزيارة المخاوف من ان قيادة الثوار مخترقة، وانها واقعة تحت تأثير تنظيم القاعدة او أحد اطرافه عن بعد، وهي «جماعة الكفاح الاسلامية الليبية»، وهي الرواية التي دأب القذافي على ترديدها. واعترف جبريل والترهوني بأنه يوجد اعضاء من الجماعة والميليشيات الاخرى الممثلة في المجلس، ونظراً إلى أن المجلس الوطني الانتقالي يمثل كل الاطياف المناوئة للقذافي في ليبيا، قال جبريل «انهم ينضوون تحت راية المجلس»، لكنه أكد أنهم في مواقع لا تسمح لهم بأن يقرروا اية سياسية داخلية او خارجية عندما ينهار القذافي.

وجبريل حاصل على الماجستير والدكتوراه في التخطيط الاستراتيجي من جامعة بطرسبورغ عام .1985 وعلى الرغم من أنه عمل في الفترة ما بين 2007 حتى 2009 رئيساً لمجلس التطوير الوطني في ليبيا، وقاد مجلس ليبيا الوطني للتخطيط ، فإن خبراء ليبيا لم يعتبروه يوماً من ضمن الدائرة الضيقة للدكتاتور.

وكانت صدقية الترهوني الديمقراطية أكثر إثارة للاعجاب، فقد كان طالباً في جامعة ليبيا قبل عقود عدة، عندما ادت نشاطاته المعادية لنظام القذافي إلى اعتباره من اعداء النظام، وعلى قائمة المطلوبين للقذافي، فاضطر إلى الهرب. وهو استاذ في الاقتصاد في جامعة واشنطن، وبعد اندلاع الثورة ترك منزله وجامعته على الفور كي ينضم اليها، وقال مشيراً إلى طلابه «أخبرتهم بأنني انتظر هذه اللحظة منذ 40 عاماً. وفي حقيقة الامر فإنني فقدت الامل في ان اعيش حتى أراها».

ويعرب الرجلان عن امتنانهما للولايات المتحدة، اضافة الى احباطهما منها ايضاً. وقال جبريل شارحاً سبب عدم اعلان الثوار أنفسهم حكومة لليبيا: اذا قام المجلس الوطني المؤقت بمثل هذه الخطوة، فإن القذافي سيتهمهم بأنهم حركة انفصالية.

ويبدو ان الوضع القانوني للمناطق التي تسيطر عليها الثورة في ليبيا هو الذي عقّد جهود المجلس الوطني للحصول على المزيد من دعم واشنطن، ولكن ذلك لا يكفي وحده لتفسير تردد واشنطن.

ويواصل البعض في الكونغرس والادارة التحذير من ان «المهمة تزحف» في ليبيا، إذ إن الامر الذي بدأ جهوداً لحماية المدنيين في بنغازي في شرق ليبيا، أصبح ورطة كبيرة.

ونظراً الى انه ليس هناك مصلحة استراتيجية معرضة للخطر في ليبيا الغنية بالنفط، التي يبلغ تعداد سكانها 6.5 ملايين نسمة، مع وجود حربين، واحدة في العراق واخرى في افغانستان، فان عدداً من المحللين الاميركيين يحذرون من تحول الامر إلى «خداع امبريالي».

ولطالما كررت الادارة الاميركية دعوتها القذافي إلى التخلي عن السلطة، وهي تبحث بهدوء عن دولة يمكن ان تستضيفه. ولم تسمح وزارة الخارجية للنظام الليبي بتغيير سفرائه في واشنطن والامم المتحدة، بعد ان انشق كل من الرجلين الى جانب الثوار، لكن الامم المتحدة لم تعترف بعد بالمجلس الوطني الانتقالي حكومة ليبية.

ولم يبد جبريل او الترهوني قلقاً من أن واشنطن يمكن ان تلغي دعمها للثوار. وقال ديريك فاندويل، الخبير بشؤن ليبيا، من جامعة دورتموث «لن تنسحب ادارة الرئيس الأميركي باراك أوباما من هذه الحرب. ومع اننا لا نعرف من سيحكم ليبيا بعد انهيار القذافي، لكن المجلس الوطني اثبت أنه قوة متماسكة، تعترف بها اوساط عديدة من الليبيين، وهم يفكرون بجدية في المستقبل».

الأكثر مشاركة