شكوك حول قدرة الحكومة على تنظيم الانتخابات في موعدها
مستقبل صعب للديمقراطية في تونس
على الرغم من إسقاط نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، بداية العام، فإن البلاد ماتزال بعيدة عن الاستقرار، في ظل الاضطرابات الاجتماعية والاحتجاجات التي تندلع بين الحين والآخر. في الوقت الذي تخيم فيه الشكوك حول قدرة الحكومة الحالية على تنظيم انتخابات عامة في الوقت المحدد، والتي من المقرر أن تجرى في يوليو المقبل. وإلى انتخاب برلمان جديد ينبثق عنه حكومة منتخبة، ستبقى القيادة المؤقتة، بقيادة الرئيس المؤقت فؤاد المبزع، تحت المراقبة الشديدة من قبل الشعب التونسي والبلدان المجاورة. ويذكر أن عددا من أعضاء النظام المخلوع ظل في الحكم بعد هروب بن علي من تونس، الأمر الذي أثار حفيظة شبان الثورة، وزاد من شكوكهم تجاه النوايا الحقيقية للحكومة المؤقتة، التي تحاول تفادي إجراءات صارمة في الوقت الذي تعيش فيه البلاد حالة غير مسبوقة من الفوضى.
وأثار تصريح منسوب لوزير الداخلية السابق، فرحات رابحي، جدلاً واسعاً في تونس، وهلعاً في الأوساط السياسية، وعادت الاحتجاجات في الشارع التونسي بقوة، الأمر الذي يدل على أن حماسة الثورة ماتزال في أوجها.
وجاء في التصريح أن المسؤول السابق هدد بالاستيلاء عل السلطة بالقوة في حال فاز الإسلاميون في الانتخابات المزمع إجراؤها في 24 يوليو المقبل، ولم يعلق الوزير الأول التونسي باجي قايد السبسي على ما قاله رابحي، الذي وصفه بالكذاب. وبعد أشهر من نجاح الثورة، عاد الشبان للاحتجاج في الشوارع وحرق السيارات وتحطيم المحال التجارية. واضطرت الجهات الأمنية إلى التدخل ووضع حد لعمليات النهب والمساس بالممتلكات العامة والخاصة، وقامت باعتقال 600 شخص على الأقل، بداية شهر مايو.
بعد أن شهدت تونس «تعافيا ديمقراطيا» في أعقاب سقوط نظام بن علي، عادت الاحتجاجات لتعكر صفو المسار الديمقراطي، أو ربما لتلقي الضوء على واقع ينذر بأشياء خطيرة. ولعل التداعيات الأخيرة هي التي دفعت السبسي إلى التحذير بإمكانية تأجيل الانتخابات، في حال ظل الوضع على ما هو عليه.
وقد تؤدي حالة عدم الاستقرار التي تشهدها البلاد إلى إطالة مخاض الديمقراطية الفتية، كما حدث في عدد من الثورات السابقة، حول العالم. ولعل التغيير المستمر في الحكومة التونسية دليل، بسبب الاحتجاجات، على إفرازات هذه الحالة.
يرى مراقبون للشأن التونسي أن انتهاء عهد بن علي فتح الباب أمام تحولات جذرية في الحياة السياسية، من شأنها أن ترسم مستقبل البلاد، ولعل أهم هذه التغيرات عودة التيار الإسلامي، المتمثل في حركة النهضة المعتدلة، إلى الملعب السياسي.
ويقول محللون ان من شأن النهضة أن تلعب دورا مهما في المشهد السياسي، إذا ما توافرت الظروف الملائمة لذلك. يذكر أن الحركة تبنت النهج المعتدل منذ سنوات، ويشبهها البعض بحزب العدالة والتنمية في تركيا. وعلى الرغم من ذلك ظلت نشاطاتها محظورة لفترة طويلة، إلى أن سقط نظام بن علي في يناير الماضي. ويذكر أن الحركة أنشئت في 1981 وعملت بشرعية لمدة ثماني سنوات، ليتم حظر نشاطها بقرار رسمي.
يقول محيي الدين شربيب، أحد مؤسسي لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات في تونس، ان الحركة الإسلامية في تونس قريبة من الناحية الأيديولوجية من الحزب الحاكم في تركيا ولا تمثل خطراً على المسار الديمقراطي في تونس، ومن ثم فإن احتمال ظهور أحزاب راديكالية يبقى ضعيفاً على الأقل على المدى المنظور، وفي المقابل فإنه من الممكن أن تحقق النهضة فوزا كبيرا، بوصفها الحركة الوحيدة التي تتميز بالتنظيم، ويتوقع مراقبون أن تحصد 40٪ من الأصوات في انتخابات يوليو.
لسوء الحظ لا تعني «ثورة الياسمين» الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية في المستقبل القريب، وخلال القرن الماضي، أدت الثورات والانقلابات العسكرية في الشرق الأوسط إلى ظهور أنظمة استبدادية واستمرت في الحكم لعشرات السنين. ومن الأمثلة على ذلك، انقلاب بن علي في تونس وثورة الزعيم الليبي معمر القذافي في ليبيا، إلا أن حكم الأول انتهى بهروب الرئيس تاركا وراءه بلداً انتفض شبانه ونساؤه ضد الاستبداد، في حين يواجه الثاني مقاومة مستميتة من الثوار الذين استعانوا بحلف شمال الأطلسي للقضاء على حكمه الذي دام أكثر من أربعة عقود.
يجب الأخذ في الاعتبار أن انهيار الاتحاد السوفييتي أدى إلى أحادية القطبية في العالم، ومن خلال تقييم التأثيرات المحتملة لـ«الثورات الملونة» في العالم العربي، يتعين على كل من تونس ومصر أن تبني ديمقراطية شرقية، وتتحمل المخاطر المترتبة على ذلك من جهة، وتحافظ على الولاء النسبي للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news