أوباما.. الرئيس الأقل تأثيراً في الـــشرق الأوسط منذ الحرب العالمية الثانيــة
كرست الأحداث والتطورات التي شهدها الشرق الاوسط في مايو الماضي عجز الرئيس الأميركي باراك أوباما وضعفه، ليبدو بذلك الرئيس الأميركي الأقل اهمية وتأثيرا بالنسبة لهذه المنطقة من العالم منذ اللقاء التاريخي الشهير بين الرئيس الأميركي السابق فرانكلين روزفلت ومؤسس السعودية الملك عبدالعزيز آل سعود، على حاملة الطائرات الاميركية «يو اس اس كوينسي» في البحيرات المرة في قناة السويس عام .1945
فقد أدى كل من أوباما ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن كل ما يمكن وصفه بالمهزلة، وكان أوباما يتذلل في محاولة لاجتذاب اهتمام العرب شعوباً وحكاماً وهم يشهدون ربيع التغيير الذي يجتاح بلادهم وشوارعها التي تعج بالتظاهرات التي يسقط فيها القتلى والجرحى من الحالمين بالحرية التي حرموا منها على مدى عقود.
وكان أوباما يكتفي بإرغاء الكلام حول التغيير في الشرق الاوسط والدور الجديد لبلاده في المنطقة، وكما أبلغني صديق مصري فإن دور أوباما كان ولايزال بائساً الى حد يثير الشفقة وتوجه لي بالسؤال: هل مازالوا يعتقدون بأننا نهتم بما يفكرون؟ وهذا صحيح، ففشل أوباما في دعم الثورات العربية أفقد الولايات المتحدة البقية المتبقية من مصداقيتها في المنطقة، فقد التزم الصمت حينما تمت الإطاحة بالرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي واكتفى بأن يكون ضمن المنظومة التي تطالب بتنحي الرئيس المصري السابق حسني مبارك قبل يومين فقط من تنحيه، والصمت إزاء ما يقوم به نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ولكنه كان واضحاً في رغبته بأن يرى نظام الاسد ينجو مما يجري في سورية على الرغم من مطالبته الصريحة برحيل الزعيم الليبي معمر القذافي عن السلطة. ولم يتردد أوباما في ان يجثو على ركبتيه أمام اسرائيل. فهل من سبب يدعو الى العجب والدهشة اذا ما أدار العرب ظهورهم لأميركا؟ ولا عجب ايضاً أنهم هم الذين يتخذون القرارات بأنفسهم، لأنهم هم الذين يصنعون الأحداث ويعتنون بشؤونهم. وتشعر تركيا بالغضب من الرئيس الأسد الذي لم يف بوعوده لها بتحقيق الاصلاح، بل و«كذب» على وزير خارجيتها أحمد داوود اوغلو في آخر لقاء بينهما، حيث قال إنه سيسحب جنود شقيقه ماهر الاسد من شوارع المدن السورية، ولكن هذا لم يتحقق.
وتمارس تركيا الآن ضغطاً على سورية، لأنها تخشى تدفق الأكراد على أراضيها كما حصل مع الأكراد العراقيين عام ،1991 ما قد يدفع انقرة للتدخل عسكريا داخل الأراضي السورية نحو القامشلي وحتى دير الزور لخلق ملاذات آمنة للهاربين من المدن السورية، فلا يدخلون الأراضي التركية.
من جانبها، تمارس قطر ضغطاً على الجزائر لحملها على وقف توريد السلاح لنظام القذافي الذي يعاني ضربات حلف شمال الأطلسي، فقد زار أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة لهذا الغرض، ولكن هناك شكوك وتساؤلات عما إذا كان لبوتفليقة تأثير في جيش بلاده، خصوصاً أن ليبيا والجزائر وتونس تتشارك مساحة 750 ميلاً من الصحراء تجعل تدفق السلاح سهلاً.
كما ان دور قناة الجزيرة في بث وعرض الصور لما يحدث في سورية، أغضب السوريين الذين أوقفوا استثمارات قطرية في سورية بقيمة أربعة مليارات جنيه استرليني.
وتؤيد الولايات المتحدة الديمقراطية والتغيير في العالم العربي، ولكن ليس بالمطلق، فهي تعارض ذلك عندما يتعارض مع المصالح الأميركية.
وأما المثال الأكثر وضوحاً حول عدم اهتمام العرب بما يقوله أوباما فموقفه الأسبوع الماضي خلال زيارة نتنياهو لواشنطن، إذ غير الرئيس الأميركي مواقفه في خطب سياسية متتالية بما يتوافق مع رؤية نتنياهو، بل ان أعضاء الكونغرس الأميركي وقفوا وصفقوا لنتنياهو 55 مرة بحماسة فاقت تلك التي نراها في برلمانات سورية واليمن وغيرهما، فالموقف الأميركي لم يعد عاملاً أساسياً لدى العرب، لأن المنطقة تتغير بشكل كبير وسريع، وليس من المستبعد أن نشهد انتفاضة ثالثة في فلسطين.
ومن بين عوامل الغرور والغطرسة في السياسة الخارجية الأميركية هو اعتقاد القائمين على هذه السياسة أن معظم العرب أغبياء بل أكثر غباء من الاميركيين والاسرائيليين ولا يستوعبون تاريخهم، وانه يجب التعامل معهم على هذا الاساس، ولكن واقع الحال يقول ان العرب أصبحوا مثقفين ومتعلمين بصورة أكبر مما كان عليه الجيل السابق، فهناك الملايين التي تتقن الانجليزية لغة وخطابا وتعبيرا وتفكيرا والقادرة على فهم كل كلمة في خطاب أوباما وتلمّس مواطن القوة والضعف في كل ما يقول، ففي خطابه يوم 19 مايو الماضي تحدث اوباما عن استمرار الانشطة الاستيطانية الاسرائيلية لكن نتنياهو ألقى عليه في اليوم التالي محاضرة «عن حقائق ووقائع ديموغرافية جديدة على الارض، ما دفع أوباما الى تبني موقف نتنياهو بالكامل في خطابه لاحقاً امام اللجنة الاميركية الاسرائيلية للشؤون العامة (إيباك) أكبر قوى اللوبي الصهيوني المدافعة عن مصالح اسرائيل». فمن ذا الذي سيصدق أن أوباما كان يتحدث عن المستوطنات الاسرائيلية غير الشرعية التي تم بناؤها على الأراضي الفلسطينية المحتلة التي تمت سرقتها ومصادرتها من أصحابها العرب؟ وحينما قال اوباما إن التأخر في التوصل الى السلام سيقوض أمن اسرائيل يبدو أنه لم يكن يدرك أن خطة نتنياهو هي التأخير ثم التأخير قدر الامكان حتى لا تتبقى أرض لقيام دولة فلسطينية قابلة للاستمرار والحياة كما تتمنى الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي. وسيبقى هناك لغط وثرثرة كبيران بشأن ضرورة اعتماد خط الرابع من يونيو 1967 الحدود الاسرائيلية الدائمة، التي قال نتنياهو إنه لا يمكن الدفاع عنها، وتبقي أمن اسرائيل في خطر مع انه كان من الواضح كل الوضوح أنها كانت حدوداً حافظة لأمن اسرائيل وأمكنها الدفاع عنها لمدة تزيد على 18 عاماً قبل حرب يونيو ،1967 ولدي شك كبير في أن يحافظ الفلسطينيون على هدوئهم ويواصلون صمتهم، فإذا كانت هناك انتفاضة في سورية واليمن، فلماذا لا تكون هناك انتفاضة ثالثة في فلسطين تذكيها وتؤججها تظاهرات ومسيرات مليونية يومية؟ فماذا ترى إسرائيل فاعلة بهذا العدد الضخم من المتظاهرين؟ هل تطلق النار عليهم؟
ويقول أوباما إنه ينبغي عدم الإعلان في الأمم المتحدة عن دولة فلسطينية مستقلة، وعلى الفلسطينيين التخلي عن مسعاهم في هذا الاتجاه، فلماذا لا يتابعون مسعاهم حتى النهاية؟ ولماذا لا يتم استصدار قرار بهذا الشأن من الجمعية العامة للامم المتحدة؟ فمن في الشرق الاوسط يعبأ بما يقوله اوباما او يهتم به؟ فالربيع العربي سيتحول الى صيف حار يتلوه خريف حيث يكون الشرق الاوسط بذلك قد تغير الى الأبد، وهو ما تقول عنه اميركا إنه لن يهم ولن يعني شيئاً.
روبرت فيسك - صحافي وكاتب متخصص في شؤون الشرق الأوسط