القبائل وحدها تملك مقومات الإطاحة بالقذافي
عندما انشق إمبراطور النفط الليبي، شكري غانم، عن (الزعيم الليبي معمر) القذافي، أثار ذلك آمالاً كبيرة بقرب انهيار النظام، ومع ذلك، فإن هذا الرجل الذي كان من المفروض انه من كبار شخصيات النظام، لم يكن كذلك. وغانم رئيس شركة النفط الوطنية، كان مهمشاً ضمن دائرة الحكم في ليبيا، وتلقى تعليمه في الولايات المتحدة وتم تجنيده للعمل في هذا المنصب، من اجل تحسين صورة ليبيا امام المجتمع الدولي، المتشكك إزاء نزوات القذافي الغريبة، والحذر من دعم هذا الرجل للجماعات الارهابية لمدة 20 عاماً. ونظرا إلى انه لا يمتلك أي قاعدة قوة خاصة به، فقد كان مديناً بصورة تامة للقائد الليبي، وغالباً ما أصيب بالإحباط من الدائرة الداخلية للقذافي، التي كانت تعمل على تخريب برنامجه الإصلاحي.
وكان انشقاق غانم، الأخير ضمن سلسلة انشقاقات، من ضمنها وزير العدل مصطفى عبدالجليل، الذي يترأس الآن المجلس الانتقالي للثوار الليبيين، ووزير الخارجية السابق موسى كوسا، الذي كان مسؤولا في العقود الماضية عن قتل معارضي القذافي في الخارج. وقد استفاد المجتمع الدولي كثيرا من انشقاق هؤلاء الرجال، وتخليهم عن الحكومة، لكن في واقع الامر، فإن مغادرتهم الحكومة لم يكن له الاثر الكبير في إضعاف القائد الليبي. وفي واقع الامر اذا أرادت القوى الغربية الإطاحة بالقذافي فعليها ألا تبالغ باهتمامها بالمنشقين عن القذافي، وانما تركز على الاشخاص الحقيقيين الذين بيدهم السلطة، وهم القبائل التي تقدم الدعم للقذافي. وبعد فترة ناجحة كوزير للاقتصاد والتجارة مابين عامي 2001 و،2003 تم تعيين غانم المتخرج في جامعة توفتس الاميركية، والمدير السابق للأبحاث لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) رئيسا للوزراء في يونيو عام .2003 لكنه سرعان ما اصطدم بالدائرة الداخلية المتنفذة للقذافي، والذين كانوا يخشون من أن تؤثر اقتراحات غانم بخصخصة الشركات الحكومية وتفكيك الاحتكار في مصالحهم الشخصية، ونظراً لافتقاره اللباقة الدبلوماسية، وعجزه عن التحرك في تشعبات السلطة في ليبيا، تم إبعاده عن منصبه، ومن ثم تعيينه مديراً لشركة النفط الوطنية عام .2006 وهناك اثارت مواقفه غضب الموظفين المحليين والدوليين العاملين في مجال النفط. ونظراً لافتقاره أي نوع من الدبلوماسية، اثبت غانم عجزه عن إدارة علاقات ليبيا الخارجية، كما قالت صحيفة «نيويورك تايمز». وعندما عبر الحدود الى تونس الاسبوع الماضي، يبدو انه أدرك أن دوره في ليبيا وصل الى نهايته، وليس لانه يعارض حكم القذافي من حيث المبدأ.
وبناء عليه لماذا كل هذا الاهتمام بانشقاق غانم؟ لطالما دأب الموظفون الأجانب في ليبيا على الاتصال بمسؤولي النظام وطلبوا منهم الانشقاق عنه، او التعرض للمساءلة الدولية. وكان وزير الخارجية الليبي السابق عبدالرحمن شلقم قد وصف انشقاق موسى كوسا بأنه «ضربة قاصمة للنظام»، وكان النائب السابق لمستشار الامن القومي اليوت ابراهم قد وصف الخطوة بأنها «ضربة خطرة ضد نظام القذافي»، وان النظام سينهار قريبا، لكن في واقع الامر، فإن ذلك لم يحدث، كما ان هروب غانم لم يسبب انهيارا في نظام القذافي، اذ انه كان قادرا دائما على الاستمرار، لأن معظم هؤلاء لم يكونوا مسؤولين عن قوة عسكرية في ليبيا. ولاتزال قوات القذافي قادرة على منع الثوار من التقدم نحو طرابلس. وثبت ان التركيز على المنشقين مسألة عقيمة بالنسبة للغرب، لان الصراع الحالي عزز من قوة الموالين للعقيد. وبدلا من التركيز على اشخاص يعملون في حكومة القذافي، يتعين على الدول الغربية ان تركز على القبائل التي تشكل قاعدة النظام. ففي هذه الدولة التي يشعر 90٪ من سكانها بأنهم ينتمون الى قبيلتهم، حسب دراسة للباحثة امل العبيدي اجرتها عامي 1994 ـ ،1995 فإن العشائر تشكل القاعدة الاساسية لبناء المجتمع. وتشكل عشيرة القذافي وهي «القذاذفة» والورفلة، والمقراحا القواعد الثلاث التي يستند إليها النظام، وتعتبر المورد الاساسي لقوات الأمن وقادتها. ويمكن ان تكون قبيلة المقراحا مرشحة لترك القذافي. وكان أحد أعضاء هذه العشيرة، والنائب السابق للقذافي لفترة طويلة عبدالسلام جلود، قد حول العشيرة (ومنها قائد المخابرات الليبية عبدالله السنوسي)، الى قوة كبيرة في سبعينات القرن الماضي. لكن العشيرة تعرضت لهزة عنيفة عندما اختلف القذافي مع جلود في تسعينات القرن الماضي. وكان جلود عارض قرار القذافي الصلح مع الغرب، وابتعاده عن دعم القضايا المتشددة، ما دفع القذافي الى وضعه تحت الاقامة الجبرية في منزله، وأنزل عقوبة جماعية بعشيرته، فقد أبعد أعضاءها عن المواقع الأساسية في قوى الأمن، وقلل من الرحلات الجوية الى عاصمتهم سبها، وأغلق محطات الغاز هناك.
حتى في قبيلة القذافي نفسها، فإن موقعه ليس آمناً، فقد عمل على إثارة غضب رجال قبيلته في مناسبات عدة، إذ إن كثيرين منهم لم يغفروا له إصدار أمر بقتل نسيبه العقيد حسن اشكال في عام ،1985 عندما وجه انتقاداً للسياسات الوطنية.
ولابد من ان استهداف هذه العشائر التي تمثل الاساس لنظام القذافي يمكن ان يقوض سلطته، لانها تشكل جزءاً كبيراً من قوات أمنه، ولذلك فإن هروبهم، يمكن ان يسبب ضرراً كبيراً له في ميدان المعركة. ويمكن ان يؤدي ظهور حالات تمرد في مناطق اقامة هذه العشائر الى اجبار القذافي إلى أبعاد الوحدات العسكرية عن العاصمة والجبهة الشرقية، إذ تقاتل قواته الثوار، الامر الذي يترك القائد الليبي ومعقله في وضع هش. وفي واقع الامر، فإن ما تريده هذه العشائر لتنضم الى الثورة ليس المال ولا السلاح، وإنما الوعد بعدم تعرضها للانتقام من القبائل الاخرى، نظير عملها مع القذافي لعقود عدة. ومن المهم جدا بالنسبة للمجتمع الدولي ان يجد طريقة لتطمين هذه العشائر، كما انه من المهم ان يدرك أيضا ان تأمين انشقاق القبائل عن قاعدة قوة القذافي يمكن ان يقوض النظام اكثر من مجرد تشجيع انشقاق افراد بعينهم.