أنظمة الفساد تسرق 40 مليار دولار سنوياً من الدول النامية
لعب الفساد في العالم العربي دوراً مفصلياً في التحفيز على الربيع العربي، وواجه الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي وعائلته المحاكمة غيابياً عن الجرائم التي ارتكبوها، وكذلك تقوم المحاكم المصرية بمحاكمة الرئيس المصري السابق حسني مبارك وعائلته، وحُكم على وزير المالية السابق يوسف بطرس غالي، غيابياً بالسجن لمدة 30 عاماً، بسبب تلاعبه بالمال العام. ويعتبر الاحباط من الفساد والمحاباة من المظالم الاساسية التي أدت الى التظاهرات في الشوارع العربية.
وعمد هؤلاء القادة الفاسدون إلى إبعاد الاموال التي جمعوها عن طريق الفساد الى خارج البلاد، على الرغم من الالتزامات الدولية التي تمنع مثل اعمال النهب هذه، لكن الربيع العربي سلّط الضوء على ان الجهود الدولية الحالية ضد الفساد غير كافية.
وإذا كان قادة العالم جادين بشأن تعزيز الجهود التي تهدف الى مكافحة الفساد، رداً على الربيع العربي، فيتعين عليهم أن يستندوا الى الاصلاحات الاخيرة التي تمت في مكان غير محتمل، ألا وهو سويسرا، وكان هذا البلد قد ادخل تغييرات في قانون استعادة أموال الفساد، ما ادى الى تجميد اموال العديد من القادة، من ضمنهم بن علي ومبارك ورئيس ساحل العاج السابق لورينت غباغبو، واتخذت سويسرا هذه الاجـراءات لأنها تخشى على سمعتها من ناحـية ملاذاً آمناً للاموال غير الشرعية، التي يمكن أن تفقدها القدرة على جـذب الاعمال الشـرعية.
وباتت المصارف السويسرية الخيار الامثل بالنسبة للدكتاتوريين الفاسدين، إذ يحتفظون بحسابات بملايين الدولارات فيها، امثال حاكم نيجيريا السابق اني اباشان، ورئيس الفلبين السابق فرديناند ماركوس، ورئيس هايتي السابق جين كلود دوفالير، وبناءً عليه فإنه ربما من المفاجئ أن تبنت سويسرا في شهر أكتوبر الماضي قانوناً اعتبر الأكثر صرامة من نوعه في العالم بالنسبة إلى استعادة الاموال من قبل السياسيين الفاسدين، لأنه أصبح من السهل على الدولة ان تستعيد اموالها التي سرقها الحاكم الفاسد، ومع ذلك فإن الربيع العربي سلّط الضوء على عدم كفاية الجهود الدولية ضد الفساد.
ومن الصعب جداً إعادة اموال الفساد الى الدولة التي صدرت منها، لأسباب عدة، منها أن النظام الفاسد يظل في الحكم طوال حياته، وحتى عندما يتم العثور على الاموال فثمة عقبات قضائية تمنع عودتها، ويمكن ان تكون القيادة الجديد للدولة غير مستقلة تماما عن القيادة الفاسدة التي سبقتها، أو انها غير قادرة على تقديم ما يكفي من الادلة على ان الاموال المطلوبة ترجع إلى الدولة. وبناء عليه، فإن جزءاً صغيراً فقط من اموال الفساد يمكن ارجاعه الى الدولة المطلوبة. وتشير تقديرات البنك الدولي الى أن انظمة الفساد تسرق ما بين 20 الى 40 مليار دولار من الدول النامية سنوياً، وتم ارجاع خمسة مليارات منها فقط خلال السنوات الخمس عشرة السابقة.
ووافقت 140 دولة على التوقيع على اتفاقية تابعة للامم المتحدة ضد الفساد (يونكاك) عام ،2005 وهي رؤية شاملة لمكافحة الفساد، وتلتزم الدول الموقعة على تبني إجراءات لمنع الفساد، مثل تشكيل هيئات لمكافحة الفساد، والحفاظ على هيئات قضائية مستقلة وتأسيس أنظمة تحصيل شفافة وتجريم الرشى والاختلاس من المال العام، والتعاون مع الدول الاخرى لتجميد ومصادرة أموال هذه الجرائم، وإعادة الاموال المنهوبة الى الدول التي سرقت منها.
لكن لسوء الطالع، ليس هناك آلية تتمتع بالصدقية لضمان تنفيذ الدول لاتفاقية «يونكاك»، إذ إن زيارة المفتشين عن الفساد المالي لاي دولة لا تتم الا بموافقتها، كما ان التحقيقات المتعلقة بأي دولة تظل سرية الا إذا وافقت الدولة المعنية على نشرها. واضافة الى كل ذلك، واستنادا الى وتيرة العمل الحالية، فإن الدورة الاولى من التقييم تستغرق 15 عاماً حتى تكتمل.
وعلى الرغم من أن تنفيذ الاجراءات المضادة للفساد يظل مسكوناً بتحديات سياسية، إلا أن هناك نموذجا ناجحا منها وهو الجهد الدولي لمكافحة غسل الاموال وتمويل الاعمال الارهابية عن طريق «القوات الخاصة للمهام المالية»، وعن طريق نشر معايير يضعها الخبراء لمحاربة الاموال المحرمة التي يتم فرضها عن طريق تقييمات مشتركة بين الاعضاء المشاركين في القوات الخاصة للمهام المالية. وبدأت هذه القوات في دول مجموعة السبع الصناعية عام ،1989 لكن الآن هناك 180 دولة تخضع لتقييماتها، وتعتبر جهودها غير سياسية، لذلك فهي تحظى بالاحترام، وتنشر تقاريرها عن نتائج تقييماتها، وتتحدث عن الدول التي تشكل خطراً على النظام المالي.