فوز الإخوان يمنحهم فرصة التأثيــر في صياغة دستور مصر
عندما أطاح المتظاهرون بالرئيس المصري السابق حسني مبارك في فبراير الماضي، كانوا يعتقدون أن بلادهم ستشهد تحولا إلى الديمقراطية، إلا أن المجلس العسكري الأعلى تخطى جميع الأحزاب السياسية الرئيسة، كما فعل مبارك من قبل، وأثار ذلك مخاوف عند المصريين بأن المجلس سيحتفظ بنظام غير ديمقراطي. ويخشى الشعب المصري من أن يكون الجيش والإخوان يستخدم بعضهما بعضاً حتى يتمكن أحدهما من الحكم في النهاية. وكانت تلك هي نتيجة الانقلاب الذي أطاح بالملكية الدستورية في ،1952 حيث دعمت الجماعة ضباط الجيش، الذين انقلبوا عليها بعد إمساكهم بزمام السلطة.
أجرى المجلس العسكري مشاورات مع شباب الثورة، الشهر الماضي، بعد تظاهرات عارمة تطالب بتعديل الدستور قبل إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية. وقد وجهت الدعوة إلى 100 منظمة شبابية وأحزاب سياسية، في الوقت الذي يصر فيه الإخوان على إجراء الانتخابات في سبتمبر المقبل، وهو الموعد المحدد، على أن تقوم الجهة الفائزة بصياغة دستور جديد.
كيف يستطيع المصريون إجراء انتخابات دون معرفة صلاحيات البرلمان والرئيس؟ ومن يستطيع أن يوقف الطرف الفائز في سبتمبر عن صياغة الدستور الجديد حسب معتقداته وأفكاره، ضارباً بمطالب الأطراف التي تختلف معه عرض الحائط ؟
للتجاوب مع الضغوط التي مارسها دعاة الحداثة، اقترحت الجماعة والجيش نوعاً من التسوية، إذ دعت الجماعة إلى ائتلاف حزبي موسع قبل الانتخابات، وقد استجاب حزب الوفد المعارض للدعوة وانضم للتحالف الأسبوع الماضي، ويتعين على الأحزاب المشاركة أن تتفق على عدد المقاعد البرلمانية التي سينافسون عليها مسبقا، الأمر الذي يتيح للأحزاب الكبرى فرصة للتفاوض على عدد من المقاعد، أكبر من العدد الذي قد يحصلون عليه حال خاضوا الانتخابات بشكل منفصل، وإذا نجحت الصفقة فإنها ستزيح المخاوف من هيمنة حزب واحد، أما إذا لم يكتب للصفقة النجاح، وأجريت الانتخابات قبل الاتفاق حول دستور جديد، فلن يحدث تغيير كبير في مصر مستقبلاً.
وفي خضم هذه البداية المتسرعة والانتخابات المبكرة فمن المرجح أن يكون لجماعة الإخوان تأثير استثنائي في صياغة الدستور الجديد، وإذا كانت الأمور تسير بهذا الشكل فإن الجيش قد حرم المعارضة الديمقراطية في مصر من فرصة عادلة للمساهمة في تأسيس النظام الجديد. وكانت المعارضة العلمانية قد طالبت من المجلس العسكري، في مايو الماضي، بلورة مشروع دستور جديد يؤدي في النهاية إلى إقامة دولة ديمقراطية معاصرة، دون تمييز بين المصريين، مع ضمان حياد القضاء، وتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية. وتصر أطياف في المعارضة على ضرورة التوصل إلى توافق وطني حول مبادئ الدستور، أولا، ثم إعطاء الفرصة لتنظيم الصفوف قبل إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية.
تعهد المجلس الحاكم بأن الدستور القادم سيكون ديمقراطياً، إلا أن القيادة العسكرية اعتمدت على خبراء قانونيين، محسوبين على التيار الإسلامي، من أمثال العضو البارز في جماعة الإخوان، صبحي صالح، والمستشار طارق البشري، لتعديل مواد الدستور المصري، كما سمح لأعضاء الإخوان والجماعات الإسلامية الأخرى باستخدام وسائل الإعلام العامة بشكل غير متكافئ مع الآخرين، كما تقوم صحيفة الأهرام الحكومية بتغطية لافتة لنشاطات شخصيات قيادية في الإخوان، ومع أن الجماعة قررت المنافسة في نصف الدوائر الانتخابية فقط، إلا أن نفوذها سيطال الدوائر الأخرى، لأن المرشحين هناك سيطلبون الدعم من الجماعة التي تتمتع بشعبية واسعة في الشارع المصري. في المقابل يبدو أن الوقت ليس في مصلحة الجماعة التي تشهد انقساماً داخلياً وتباعداً بين الجيل القيادي المحافظ والشباب الأكثر ليبرالية، ولأن هؤلاء الشباب يتفقون مع المعارضة العلمانية في ما يخص بعض المبادئ الديمقراطية، فقد قرروا الانضمام إليها ومساندتهم في المطالبة بصياغة دستور جديد أولاً، في حين ترفض قيادة الجماعة تأجيل الانتخابات، لأنها تخشى فقدان الدعم الشعبي.
وسيتوقف نجاح المؤسسة العسكرية في إدارة مرحلة ما بعد مبارك على مدى تجاوبها مع مطالب مختلف الأحزاب السياسية. ومن أجل تنظيم انتخابات حرة ونزيهة، يتعين على المجلس أن تهيئ الظروف المناسبة للقوى السياسية من أجل تنظيم صفوفها والمنافسة العادلة، الأمر الذي سيزيد من شعبية الجيش، أما إذا اختار هذا الأخير دعم فريق سياسي على حساب الآخرين، فإنه بذلك سيزرع الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، ويزعزع العلاقة بين المجتمع المدني والمؤسسة العسكرية، وتكون أشبه بالوضع السياسي في باكستان.