سكان غرب وجنوب النوبة يرزحون تحت نير الفقر المدقع. أ.ف.ب

جبال النوبة بين ناري الخرطوم وجوبا بعد انفصال الجنوب

تتعرض منطقة جبال النوبة في السودان للقصف، في الوقت الذي يحتفل فيه جنوب السودان بميلاد الدولة الجديدة. ويقول سكان المنطقة الجبلية الواقعة على الحدود بين الشمال والجنوب إنهم يعيشون كابوساً حقيقياً.

ويؤكد الناشط في إحدى المنظمات المحلية، منتصر موسى، ان المنطقة تتعرض لغارات جوية منتظمة، ويقول «عندما نسمع دوياً فإننا ندرك أن هناك طائرات تلقي قنابل»، وقد قطعت الطرق المؤدية إلى خارج الحقول الزراعية، ويقول سكان محليون إن الهدف من الهجمات هو إجبار السكان على مغاد�1ة أراضيهم. وفي هذا السياق يقول النائب النوبي في المعارضة السودانية، عمار أمون «إنهم لا يقصفون المنشآت العسكرية بل يقصفون المدنيين ليرعبوا شعبنا هناك»، ويضيف «نطلب من الأسرة الدولية فرض منطقة حظر جوي، نحن لا ندعو حلف الأطلسي إلى خوض حرب هناك، لكن الواقع يقول ان شعبنا يتعرض للقصف من طرف حكومته».

ويواجه أمون التوقيف في حال عاد إلى الخرطوم، مثل بقية زعماء النوبة، بسبب تنديدهم بالحملة العسكرية في جبال النوبة بهدف ترحيل سكانها منها، كما يقولون.

يذكر أن المنطقة عاشت فترات عصيبة في ظل حكومة الخرطوم على مدى عقود خلت. وبانفصال الجنوب يجد النوبيون أنفسهم على الحدود الجديدة بين الشطرين، وترى الدول�) الجديدة فيهم تهديداً يعرقل جهودها من أجل التحكم في الأراضي الخصبة والنفط.

وتمتد سهول النوبة في ولاية جنوب كردفان، التي يعتبرها الشمال مصدراً استراتيجياً للنفط بعد الانقسام. وتصر حكومة الخرطوم على أن حربها ضد المسلحين المناوئين لها وليس ضد القرويين. إلا أن الطبيب أحمد زكريا، الذي يتولى علاج ضحايا القصف، يرى أن حكومة البشير تستهدف الجميع، ويقول «إننا نخوض معركة من أجل البقاء، إنهم يريدون نزع أسلحتنا حتى لا تكون لنا كلمة في المستقبل».

يبدو الصراع في السودان محيراً بسبب تعقيده وتشابك خيوطه. فقد اندلعت حربان أهليتان منذ استقلال السودان في ،1956 وانتهت بانفصال الجنوب أمس. ومنذ 2004 اندلع نزاع مسلح في إقليم دارفور واستقطب أنظار العالم. ويقول مراقبون إن عرب الشمال فقط هم الذين استفادوا من النفط، في حين يرزح بقية السكان في الغرب والجنوب تحت نير الفقر المدقع. وفي هذا السياق يحذر الأمين العام للحركة الشعبية في شمال السودان، المعارض ياسر عرمان، حكومة الخرطوم من أنها ستواجه انتفاضة مسلحة من النيل الأزرق إلى دارفور، في حال استمرت في سياسة الإقصاء والتهميش.

وتعرضت جبال النوبة على مر السنين إلى محاولات لطمس الهوية ومحو الثقافة، إضافة إلى الترحيل القسري للسكان الأصليين من أراضيهم. وكانت المنطقة معقل المسلحين المناوئين للخرطوم خلال الحرب الأهلية التي استمرت أكثر من عقدين. وبقية النوبة خاضعة لسلطة الخرطوم عقب اتفاق السلام في ،2005 وكان الأمل في أن تمنح الانتخابات المزيد من الحقوق للنوبيين ونوعاً من الاستقلالية عن السلطة المركزية. إلا أن المرشح النوبي عبدالعزيز الهيلو، خسر الانتخابات التي قيل إنها كانت مزورة. في حين قام أحمد هارون المقرب من الرئيس السوداني عمر البشير، بإدارة الإقليم والعمل على نزع أسلحة الأهالي الموالين للحركة الانفصالية. ويقول ضابط في الحركة النوبية المسلحة، ويدعى مبارك «بعد الانتخابات تلقينا إنذاراً أخيراً بمغادرة الجبال»، ويضيف «لكننا لن نغادر وسنبقى هنا وندافع عن أنفسنا». ويقول الضابط الشاب إن عاصمة الإقليم (كادوقلي) أصبحت منطقة عسكرية حيث تشن القوات الحكومية حملة واسعة ضد المسلحين. وتخضع قرية الحمرا الواقعة على بعد 16 كيلومتراً من كادوقلي لسيطرة كاملة للجيش السوداني، وتظهر صور لموقع «سانتنانتل» الأميركي صور جثث تأكلها الكلاب، في شوارع القرية. ويقول المسلحون إن أهالي القرية فروا إلى مناطق آمنة، في حين قتل الكثير منهم على أيدي الجيش السوداني. ويقول أمون «إنها (الحكومة السودانية) تحاول أن تجعل الوضع في المنطقة صعباً للغاية، بحيث نُجبر على الرحيل»، إلا أنه يؤكد أن الصراع سيستمر إلى أن تضطر الحكومة إلى الجلوس حول طاولة المفاوضات، لينال النوبيون حريتهم وحقوقهم.

الأكثر مشاركة