محطـات تحلية المياه تحـدث أمـراضـاً للغزييــن
في ظل المعاناة التي يواجهها سكان قطاع غزة للحصول على المياه، بسبب تلوثها وارتفاع نسبة الملوحة فيها، يلجأون إلى شراء المياه من محطات التحلية الخاصة، وذلك من خلال سياراتها التي تتجول في الشوارع على مدار الساعة.
لكن هذا البديل لم يكن أقل خطورة من المياه الملوثة، بل أضاف معاناة أخرى إلى حياة السكان، إذ تسبب في إصابتهم بأمراض مختلفة نتيجة تلوث هذه المياه وافتقارها إلى العناصر الأساسية لصحة الإنسان، إذ أصيب عدد كبير من المواطنين بأمراض هشاشة العظام والتهابات بكتيرية حادة في الكبد، إضافة إلى ضعف نمو الأسنان لدى صغار السن. فيما يجبر السكان على هذه المياه على الرغم مما يشاهدونه من رواسب في مياه محطات التحلية، بالإضافة إلى وجود رائحة كريهة للمياه واختلاف لونها الطبيعي.
وكان «مركز الميزان لحقوق الإنسان» أجرى دراسة لواقع المياه في غزة، بينت أن 95٪ من مياه الشرب في القطاع لا تتطابق مع معايير منظمة الصحة العالمية لمعدلات المياه الصالحة للشرب، فيما تتزايد الأزمة نتيجة التلوث الكبير الذي تشهده مياه الشرب.
الطفلة ميس حسونة (أربعة أعوام) من مدينة غزة، مصابة بمرض هشاشة العظام، وتعاني ضعفاً حاداً في أسنانها وذلك بسبب استعمال عائلتها المياه التي تشتريها من محطات التحلية الخاصة.
وتقول والدة الطفلة ميس لـ«الإمارات اليوم» «على الرغم من أن طفلتي تجاوزت الأربع سنـوات إلا أن أسنـانها مـازالت لبنيـة لم تنمو بعد، وتعاني هشاشة العظام، وعندما أجريت لها الفحوص تبين أنها تعاني نقصاً حاداً في عناصر الكالسيوم والماغنسيوم».
فيما أرجع الأطباء القائمون على علاج الطفلة سبب إصابتها إلى أنها شربت مياه تفتقد العناصر الأساسية من كالسيوم وماغنسيوم منذ ولادتها، إذ ولدت ببنية ضعيفة، ومن خلال الدراسة الكاملة التي أجراها «مركز الميزان لحقوق الإنسان» على حالة الطفلة ميس، تبين أن والدتـها في فترة الحمل كانت تتناول المياه من محطة تحلية خاصة تقوم بفلترة المياه بشكل كامل، وتعمل على فقدانها جميع العناصر اللازمة.
وبجانب الطفلة ميس كانت تشكو والدة الطفلة ميرا عيسى (ثلاث سنوات) حالة طفلتها التي تعاني التهاباً بكتيرياً حاداً أثر في صحتها نتيجة شربها مياهاً تم شراؤها من محطات التحلية الخاصة، وتقول الأم الحزينة «عجز الأطباء عن تشخيص حالة طفلتي، إذ كان يظهر عليها الإسهال والتقيؤ بصورة شديدة، ليرافق هذه الأعراض فقدان الشهية وضعف في البنية، وكانت كلما شربت هذه المياه تزداد حالتها سوءاً، عندها توجهت لتحليل عينة من المياه في أحد المختبرات لأفاجأ بنسبة عالية من البكتيريا والفيروسات في الماء سببت لطفلتي التهاباً بكتيرياً حاداً».
وأصيب المواطن فادي إدريس بالتهاب في الكبد جراء شرائه مياهاً مفلترة ملوثة بملوثات لم يكن يراها بالعين المجردة.
وكانت إحدى محطات التحلية الخاصة في غزة (س) قد أوقفت عملها بعد أن امتنع المواطنون من شراء المياه منها، بفعل ما يعانونه من تلوثها الشديد ووجود شوائب وطحالب خضراء، هذا بالإضافة إلى تعكر الماء بصورة كبيرة، ما تسبب في إصابة البعض بأمراض بفعل ما أثبتته التحليلات الطبية التي أجروها. فيما نفت احدى محطات التحلية بعض الاتهامات الموجهة لها من قبل المواطنين بتلوث مياهها وعدم نظافتها، وأحياناً إضافة نسبة كبيرة جدا من الكلور إلى الماء، معلقة «كل تلك الاتهامات كاذبة ونحن نرفع نسبة الكلور بدرجة عالية لتعقيم المياه وقتل البكتيريا والفيروسات».
من جهة أخرى، نفى صاحب محطة ياسين لتحلية المياه، عبدالسلام ياسين، الاتهامات الموجهة لمحطته من قبل المواطنين بتلوث المياه، وأحياناً إضافة الكلور إلى المياه بنسبة كبيرة جداً.
ويقول ياسين «نحاول قدر الإمكان مراعاة الشروط اللازمة كي لا تفقد المياه عناصرها، ولكن نجد البعض من المواطنين لا يرغبون في المياه المكلورة، ويقبلون على المياه منزوعة الأملاح، فنظراً لذلك نستجيب لطلباتهم». وبحسب ياسين، فإن البكتيريا والطحالب والتلوثات تتم أثناء نقل المياه إلى المواطن، ويضيف «عليهم أن يعقموا المياه من خلال إضافة الكلور المنزلي إلى خزان المياه».
من جهته، أكد خبير جودة المياه وأستاذ هندسة البيئة في الجامعة الإسلامية بغزة، سعيد غباين، على الخطورة الكبيرة لمياه محطات التحلية الخاصة على صحة المواطنين، خصوصاً أن عمليات التحلية التي تجري لهذه المياه من قبل محطات التحلية في القطاع، تزيل جميع الأملاح والماغنيسيوم والكالسيوم والبوتاسيوم والكلورايد، التي يحتاجها الجهاز الهضمي وهي ضرورية لبناء جسم الإنسان وتقوية العظام والأسنان.
ويوضح أن مياه محطات التحلية الخاصة غير مطابقة للمواصفات والمعايير الدولية، فالمعيار الأساسي لمياه الشرب هو عدم تجاوزه الحد الأقصى المسموح به حسب مواصفات منظمة الصحة العالمية، فمثلاً عنصر الكلورايد يجب ألا يزيد على 250 ملم.
ويقول غباين لـ«الإمارات اليوم» «بالنسبة لنوعية مياه محطات التحلية هناك عاملان أساسيان مهمان لما لهما علاقة بالصحة، الأول هو التلوث (البكتربيولجي) ومدى فعالية وثبات نظام الكلورة أو التعقيم ونسبة إضافة الكلور، التي يجب أن تكون متوازنة بحيث يتم التخلص من الميكروبات ويتبقى جزء من الكلور لمنع إعادة تكاثر الميكروبات».
ويضيف « أما الأساس الثاني فهو نقص بعض الأملاح الأساسية مثل الكالسيوم والماغنيسيوم، حيث إن 80 من محطات التحلية في غزة غير مطابقة لمواصفات هذه الأملاح». ويربط غباين بين نقص العناصر الأساسية في المياه والأمراض التي تنتشر في الوقت الحالي، والمتوقع زيادة انتشارها في المستقبل، ما يزيد نسبة الخطر الذي يهدد حياة المواطنين بسبب اعتمادهم بشكل أساسي وكبير على المياه المفلترة منزوعة الأملاح في الشرب والطبخ.
ويوضح أن المياه التي لا تحتوي على الكالسيوم والماغنيسيوم تسبب مشكلات صحية للمواطنين وقد تتسبب في أمراض قلبية، إذ بدأت تظهر أعراض مرضية لدى الأطفال حديثي الولادة بسبب نقص عنصري الكالسيوم والماغنيسيوم.