محامي بن علي يعتبر محاكمته «نكتة» وإجراءاتـــها انتهاكاً لـ «الأعراف»

المحاكم التونسية أصدرت حكماً بالسجن 35 عاماً على بن علي وزوجته. أ.ف.ب ــ أرشيفية

طبيعي ان يحار العقل في اي تهمة يمكن توجيهها لديكتاتور حكم بلاده لسنوات طويلة، وارتكب فيها عددا كبيرا من المخالفات بصورة مباشرة او غير مباشرة، هو وزوجته واقاربه والمقربون منه. وحينما أشرت الى محاكمة الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، نثر محاميه اللبناني اكرم عازوري، يديه في الهواء ضاحكاً بسخرية، وقال «انها ليست محاكمة وانما نكتة، لأنه لم تكن هناك قضية قانونية حقيقية محددة الجوانب والمعالم».

واضاف ان المحاكم التونسية وبعد ساعة ونصف الساعة من المناقشات والإفادات التي استمعت اليها من العديد من الشهود، اصدرت حكما بالسجن على بن علي وزوجته ليلى الطرابلسي لمدة 35 عاماً، وقرابة 48 مليون جنيه استرليني غرامة، تلاهاهذا الأسبوع حكم آخر بالسجن 15 عاماً ونصف العام ».

وقد شكك في محاكمة بن علي وزوجته ليلى كثيرون حتى أعداؤه، وان الفترة بين المحاكمة وصدور الحكم كانت اقرب إلى فترة سباق الفورمولا للسيارات، تختلف عن الفترة التي يستغرقها أي إجراء قضائي تقليدي.

ولم يتمكن عازوري، وله مكتب محاماة في بيروت، وزميلته الفرنسية جين ايف لابورجين، من الحصول على تأشيرة دخول تونس لحضور المحاكمة. حتى نقابة المحامين التونسية رفضت منحه تصريحاً بالدفاع عن بن علي، لكنها عينت في النهاية اثنين من أعضائها للدفاع عنه. ولم يكن كثير من خصوم بن علي ومنتقديه راضين عنها لأنها لم تشمل اتهامه بالخيانة العظمى، ولم يتمكن السجناء السابقون الذين تعرضوا للتعذيب من الإدلاء بشهاداتهم.

وقال عازوري «هذه المحاكمة تنتهك كل المعايير والأسس التي تقوم عليها أي محاكمة عادلة ونزيهة تستند الى اتفاقية الحقوق المدنية الأوروبية للاتحاد الأوروبي»، وعليه فإنه لو كان بن علي في أي دولة اوروبية فإن تلك الدولة لن تسلمه الى السلطات التونسية، بل انه استنادا الى معايير قانونية وقضائية معتمدة في فرنسا وبريطانيا والمانيا، فإن الرئيس التونسي السابق يجب ان يكون حراً وان يتم الإفراج عنه فوراً. كما يعتقد المحامي عازوري انه يجب على بن علي ان يغادر السعودية، ووصف بن علي محاكمته وزوجته بأنها «لغة العدالة التي اعتمدها المنتصرون».

وقال عازوري انه وموكله بن علي لا يعبآن بالمحاكمة السياسية، وان بن علي حكم تونس 25 عاماً، وان من حق الشعب التونسي وحده الحكم عليه، وان لائحة الاتهامات التي تم توجيهها لم يتم وضعها ببراءة، وتبعث على الشعور بالخزي والخجل، فهم يريدون قتله اخلاقيا ومعنويا، فهناك اشارة الى المخدرات والأسلحة. ويضيف عازوري انه بعد مضي سبعة أشهر من مغادرة بن علي لتونس «يمكننا ان نعثر على أي نوع من الأسلحة نريده في منزله بما في ذلك الأسلحة النووية». وتمت محاكمته ثانية هذا الأسبوع بشأن اتهامات بامتلاكه وحيازته مخدرات واسلحة غير شرعية، وتم توقيع غرامة مالية عليه بـ50 الف جنيه استرليني، غير ان محامي الدفاع عن بن علي، اعترضوا على الافادات والاقوال التي تم الاستماع اليها، ووصفوها بأنها لم تكن عادلة «وان الهدف الوحيد منها هو دمغ بن علي بأنه موزع للمخدرات والأسلحة ». على حد قول المحامي عازوري.

ولكن لماذا يتعاقد بن علي مع محامٍ لبناني للدفاع عنه؟ في الواقع فإن لعازوري سجلا ممتازاً وقوياً في القضاء، ففي عام 2000 دافع عن وزير النفط اللبناني السابق برسوميان، وتمكن من تأمين محاكمة عادلة له واخرجه من السجن بعد 11 شهرا من الاعتقال.

وفي 2005 مثل القائد السابق لقوى الأمن الداخلي اللبناني، اللواء جميل السيد، حينما وجهت اليه محكمة تابعة للأمم المتحدة اتهاما باحتمال الاشتراك في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وبعد اربع سنوات من اعتقاله الزائف وغير القانوني تم الإفراج عنه بعد ان اعترفت الأمم المتحدة ذاتها بأنها ليست لديها أي دليل ضده.

ويقول عازوري «إن أي محامٍ لا يستطيع ان يؤدي عمله على النحو الأكمل والمطلوب الا امام محكمة حقيقية يكون القانون اساسها وهدفها، ولا يمكن ان يوجد القانون والسياسة معاً في آن واحد، وكانت وظيفتي ان اخرج القضايا والشؤون السياسية من قاعة المحكمة ونطاق عملها، لأنها لو ارادت محكمة سياسية لابن علي فإنها اجرتها وأصدرت أحكامها، فالرئيس السابق لن يعود الى تونس بأي حال من الأحوال، واذا كانت السلطات التونسية راغبة حقاً في بدء عملية قضائية قانونية فإنه يجب عليها الالتزام بالمبادئ والمقومات التي تستند اليها أي محاكمة عادلة ونزيهة».

لكن عازوري ليس غبياً او ساذجاً، اذ يستدرك قائلاً «انه لأمر طيب وممتاز للغاية ان تتم محاكمة رئيس دولة لأن هذا سيرسي بداية لثقافة العدالة ولأن من صميم صلاحيات النظام الجديد في تونس ومسؤولياته تطبيق القانون بشكل تام واذا كان الحكام الجدد سيئين فإنه لن تكون هناك صعوبة في اقناعهم بأن أي محاكمة يمكن ان تكون عادلة».

وعاش عازوري شهراً في تونس عام 1989 حينما كان مستشاراً قانونياً لشركة المقاولات التي كانت تقوم ببناء المبنى الجديد لمقر جامعة الدول العربية، لكنه لم يقابل بن علي، اذ يقول في هذا الشأن «لم أكن منخرطاً في الشأن السياسي في ذلك الحين».

وحينما تحدثنا انا وعازوري عن «ثورة الياسمين» في تونس، اشار الى البائع البائس والمتجول محمد البوعزيزي، وقال انه مازال يتفكر بتأمل عميق في حادث اقدامه على اشعال النار في نفسه، ثم اضاف عازوري «سيكون جسد البوعزيزي اما قبس الضوء الذي ينير هذا الجزء من العالم، او انه سيكون النار التي ستأكله »

روبرت فيسك - كاتب صحافي ومحلل سياسي متخصص في شؤون الشرق الأوسط

تويتر