حماة تخشى بطش قوات الأمن السوري
أحاطت الدبابات بمدينة حماة التي باتت أكثر مسارح الانتفاضة السورية دموية إلا أن الاهالي مصممون على مقاومة الجيش.
أصبحت حماة بؤرة الانتفاضة الشرسة ضد نظام الرئيس السوري بشار الاسد، حيث شهدت هذه المدينة أكبر عدد من القتلى المدنيين منذ اندلاع الانتفاضة قبل 16 اسبوعا واكثر عددا من الاحتجاجات.
جميع الطرق الرئيسة المؤدية الى المدينة أغلقت الجمعة الماضية من ناحية الشرق والغرب والجنوب. استغل سائقي طريقا خلفيا ضيقا من ناحية الشمال، وعندما ضللنا طريقنا ارشدنا رجل شاب الى الطريق مقابل توصيله الى مكان الاحتجاجات. وأصر أولا على ان أذهب معه الى منزله لكي تلبسني زوجته عباية طويلة لانه لا يريد ان يثير منظر ملابسي الغربية حفيظة المتشددين الاسلاميين في نقاط التفتيش التي قد نمر بها.
وخلال سيرنا نحو قلب مدينة حماة رأيت السكان يستعدون لما يشبه الحرب، يغلقون الطرق بالكتل الاسمنتية والسيارات المحترقة والبراميل الفارغة الكبيرة وذلك من اجل اعاقة حركة السيارات العسكرية المدرعة اذا هاجمت قوات الامن المدينة. كما تم اقامة العديد من نقاط التفتيش على مداخل الطرق الجانبية يحرسها شباب من مجموعات مكونة من خمسة وستة اشخاص، البعض منهم يحمل سواطير وسكاكين وعصياً وقضبان حديدية وسلاسل، ويتفحصون بطاقات أي سائق سيارة او دراجة نارية يمر عبرهم للحيلولة دون دخول الغرباء او الجواسيس.
احد اصدقاء مرشدنا، ويطلق على نفسه (ابوعارف) ذهب امامنا على متن دراجة نارية لتسهيل مرورنا عبر نقاط التفتيش ثم اخذنا الى منزله. وحدثنا (ابوعارف) قائلا «لقد ارسلنا عائلاتنا واطفالنا خارج المدينة واخذوا معهم كل شيء لكن لايزال لدينا الكثير من الشاي والقهوة». وعلى حاسوبه المحمول اخذ يقلب في صور الاحتجاجات ويشرح لنا كيف هبت المدينة في وجه النظام وكيف ضربت قوات الامن السكان قبل ان تنسحب الى اطراف المدينة بعد مجزرة قضت على اكثر من 60 محتجا، اكثر من 300 الف محتج خرجوا للشوارع في غياب قوات الامن قبل تسعة ايام حيث عاد الامن الاسبوع الماضي ليقترف مزيداً من حمامات الدم. (ابوعارف) مثله مثل العديد من سكان حماة يرفض ذلك الطلب الذي قدمه الاسد من اجل الحوار مع رموز المعارضة، ويقول «لا احد يريد التفاوض». ويضيف أن هذا التفاوض «سيكون مجرد حبر على ورق لأننا لا نثق ولن نصدق».
الثلاثاء الماضي تسلل رجال الامن إلى أطراف المدينة الساعة الثالثة صباحا بعد شهر من انسحابهم منها، وقبل ان يشعر بهم احد من السكان بدأوا في كسر ابواب المنازل وسحب الرجال الذين كانوا يغطون خلفها في نوم عميق.
يقول (ابوعارف) إن رجال الامن ضربوهم، قبل ان يحاولوا الهرب او الدفاع عن انفسهم.
واستيقظت حماة التي يصل تعداد سكانها الى نحو 700 الف شخص على اصوات الرصاص وصيحات الاهالي «الله اكبر».
وفي الوقت الذي تدفق فيه آلاف السكان إلى الشوارع بدأوا في حرق اطارات السيارات على امل ان يحجب الدخان الكثيف انظار قوات الامن عن اهدافهم. ورشقهم السكان بالحجارة ليجبروهم على التراجع والخروج من المدينة. وعند شروق الشمس تم اعتقال 45 شخصا وسقط 16 اخرون صرعى بينهم صبي يبلغ الثالثة عشرة من عمره.
بعض الشهود اخبروا منظمة هيومان رايتس ووتش الحقوقية العالمية بأن المهاجمين كانوا يرتدون الزي العسكري الا ان بعضهم في اللباس المدني مسلحون بالبنادق الرشاشة. ويقول احد الشهود ان قوات الامن تحاصر المباني بعدد كبير من السيارات ثم تدخل لتعتقل المستهدفين، احد الشهود ذكر ايضا ان القوات تطارد المتظاهرين بالدبابات في الشوارع لإخافتهم. وأخبرني أحد رجال الاعمال الذي ادعى أن اسمه (ابومحمد) أن احد اقاربهم أصيب بطلقات نارية في وجهه ومن المحتمل ان يفقد بصره. ويوم الثلاثاء الماضي كان هناك نشاط محموم من قبل السكان لوضع الحواجز على مداخل المدينة على امل ان يتمكنوا من صد الهجمة المقبلة المتوقعة من قوات الامن.
ويوم الاربعاء الماضي اكتسحت قوات الامن المدينة مرة اخرى من خلال الضواحي متجهة من منزل إلى آخر بقوائم تضم اسماء الاشخاص المراد اعتقالهم والذين تسببوا في القلاقل، ولم يملك سكان المدينة سوى رشق قوات الامن بالحجارة وردت عليهم القوات بزخات من الرصاص «أدت الى مقتل ستة مدنيين وجرح 40 اخرين»، كما ذكر (ابوعبدو) احد قادة الاحتجاجات. ونشرت المنظمة الوطنية لحقوق الانسان في سورية أسماء جميع من قتلوا في ذلك اليوم، مؤكدة أن معظم القتلى تعرضوا لطلقات في الرقبة والرأس أما الجرحى فأصيبوا في البطن.