عدم تحقيق اختراق استثنائي قريباً يهدّد بوقف الصراع وتقسيم ليبيا
حملة الـ «ناتو» ضدّ القذافي تقف فوق رمال متحركة
قبل أربعة أشهر، عندما قاد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الدعوات الدولية من اجل التدخل العسكري في ليبيا، كانت الافتراضات العامة ضمن الدوائر الحكومية ترى أن (الزعيم الليبي) معمر القذافي سيدرك ان «اللعبة انتهت» حالما تبدأ طائرات حلف الاطلسي بقصف قواته. ولم يبد لكاميرون وحلفائه الاساسيين في الحملة ضد القذافي ان الهدف الاساسي لقرار مجلس الامن الدولي ،1973 الذي يقدم المبرر القانوني للتدخل العسكري الغربي كان حماية المدنيين الليبيين من التعرض لمجزرة على ايدي قوات القذافي.
وكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ونظيره الاميركي باراك أوباما، وكاميرون قد اعلنوا ان الحملة العسكرية ستتوقف عندما يتنحى القذافي عن السلطة وكانوا واثقين من ان هذه الحملة ستؤدي الى هذا الهدف. وقام حلف الـ«ناتو» بتوظيف حملة قصف متطورة جدا للضغط على القذافي كي يتخلى عن السلطة التي يتمسك بها بصورة مستميتة. وبمعزل عن عملية القضاء على الدفاعات الجوية الليبية وشن الالاف من الغارات ضد القوات المؤيدة للقذافي، أخذت الحملة تستهدف القذافي نفسه، حيث قصفت مجمع باب العزيزية وخطوط امداد النفط الحيوية.
ولكن مع مرور ثلاثة أشهر على حملة الـ«ناتو» لايزال القذافي ممسكاً بالسلطة في طرابلس تماما كما كان عليه الحال في اول غارة شنها عليه الحلف. وخلال الايام القليلة الماضية، شهدنا المزيد من الدعم للقذافي عندما ظهر الآلاف من انصاره في طرابلس لسماع خطابه.
وفي هذه الأثناء، ظهر نجل القذافي، سيف الاسلام، والذي يبدو أنه وريثه في حكم ليبيا، على التلفزيون الفرنسي وقال في مقابلة «لن نستسلم، وسنقاتل، فهذه بلادنا، واما من يقول يجب ان يغادر والدي ليبيا فهذه نكتة».
وعلى الرغم من ان انصار القذافي لم يفقدوا شيئا من تصميمهم، إلا أن الشيء نفسه لا يمكن قوله عن الطرف الاخر اي حلف الـ«ناتو»، والدول العربية التي ايدت التدخل الغربي اذ ان كلاً منها يريد ان يترك الحملة وإن بصور متفرقة.
ومنذ بداية الحملة العسكرية، كانت عمليات الـ«ناتو» تواجه معوقات قوية نتيجة أن ست دول فقط كانت مستعدة للمشاركة في العمليات، وهذا يعني ان القسم الاعظم من الغارات التي بلغ تعدادها 9000 غارة نفذتها الطائرات البريطانية والفرنسية، وقامت الدنمارك وبلجيكا والاردن وقطر بإسهامات مهمة في جهود الحرب.
ولكن اعضاء آخرين من الحلف لم يؤيدوا الحملة العسكرية للاطاحة بالقذافي من البداية أمثال ألمانيا. وفعلت ألمانيا ما بوسعها لإعاقة جهود العملية العسكرية عن طريق رفض تقديم المساعدة في تجهيزات حيوية مثل طائرات الصهريج التي تزود الطائرات المقاتلة في الجو، ناهيك عن معارضتها المستمرة لضرب اهداف تعتبرها لا تشكل خطرا على المدنيين.
والآن، طفت الخلافات، التي أعاقت حملة الـ«ناتو»، على السطح ونشرت على الملأ عندما قال رئيس الحكومة الايطالي سيلفيو برلسكوني انه ضد هذه العملية منذ البداية.
وقال «كنت ضد هذا التدخل الذي لا يدري احد نهايته». وتعد تعليقات برلسكوني مهمة جدا لأن الـ«ناتو» يعتمد بصورة مكثفة على تعاون ايطاليا من اجل القيام بالغارات الجوية ضد ليبيا. وعلى الرغم من ان مقار العمليات لـ«الناتو» في نابولي إلا أن الغارات جميعها تشن من قاعدة في جنوب ايطاليا. وأعرب المسؤولون الإيطاليون عن عدم رغبتهم في تجديد فترة اخرى مدتها 90 يوما لعمليات الـ«ناتو»، حيث تنتهي المرحلة الحالية بحلول شهر سبتمبر المقبل.
وحتى الان يأتي التهديد الاكبر لأمل الـ«ناتو» في تحقيق اي اختراق حاسم في ليبيا من قدوم شهر رمضان الذي سيبدأ خلال ثلاثة اسابيع، حيث يلتزم المسلمون بالصيام والعبادات والصلاة في هذا الشهر. وعندما يأتي رمضان في الصيف الحار تعيش الدول العربية حالة شبه توقف.
ونظرا الى ان معظم السياسيين يرفضون اللجوء الى استخدام قوات برية يعتمد الـ«ناتو» بصورة كبيرة على قوات المعارضة الليبية للقضاء على نظام القذافي، ولكن مسؤولي الـ«ناتو» يخشون ان يتوقف قتال هذه القوات ايضا.
ويخشى مسؤولو الـ«ناتو» ايضا أن شن عمليات عسكرية من قبل قوات غير مسلمة ضد دولة مسلمة من شأنه ان يؤثر في مدى الدعم العربي. وعلى الرغم من ان الامين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى كان من المتحمسين جدا للحملة ضد القذافي الا انه يعارض الان محاولات الاطاحة بنظامه. وبالطبع فإن قيام الاعمال العسكرية ضد القذافي سيخدم المعارضين العرب لهذه الحرب.
وكان اقتراب شهر رمضان قد جلب معه جرعة واقعية غير مرغوبة بالنسبة للمسؤولين البريطانيين الذين يعتقدون ان زيادة ضغط حلف الـ«ناتو» على القذافي من شأنها ان تجبره على التنحي عن الحكم. وخلال الاسابيع الماضية اكد العديد من كبار المسؤولين الحكوميين عن الكيفية التي ينوون وفقها ابعاد القذافي عن السلطة، وذلك عن طريق زيادة الضغط عليه بحيث لا يكون امامه سوى التنحي.
ولكن بالنظر الى ان الوقت يعتبر الان جوهريا، ثمة ادراك مفاجئ مفاده أنه اذا لم يتم تحقيق اختراق استثنائي خلال الاسابيع القليلة المقبلة فمن الممكن ان يتوقف الصراع وتتقسم ليبيا حيث يبقى القذافي متمسكا بالسلطة، وإن بقي تحت سيطرته جزء يسير من دولته التي كان يحكمها كاملة بداية العام الجاري.
وفي الاسبوع الماضي اكدت الحكومة الفرنسية انها بدأت تزويد المعارضة الليبية بالأسلحة عن طريق اسقاطها لهم من الجو. وهي عبارة عن بنادق وصواريخ مضادة للدبابات. ولكن المشكلة الوحيدة في هذا التصعيد للدعم الاوروبي للمعارضة انه مناقض لقرارات الامم المتحدة. واذا ارادت اوروبا تسليح المعارضة فما الذي يمنع تلقي القذافي الاسلحة من الدول الافريقية؟
وباتت القبائل المحلية مهتمة فقط بالدفاع عن اراضيها وعدم الذهاب الى مناطق القبائل الاخرى. وانكشفت هذه التوترات على السطح عندما اقترح المجلس الوطني الانتقالي التفاوض مع القذافي ولكن وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ رفض ذلك، وقال انه ليس هناك تسوية للازمة مع بقاء القذافي في السلطة. ولكن مع تقدم الوقت وبقاء الصراع على هذه الوتيرة يظل بقاء القذافي احتمالا واردا.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news