مؤسس حركة أنيانيا 1 جوزيف لاغو:

إسرائيل زوّدت متمردي جنوب السودان بالسلاح قبل « أديس أبابا »

جوزيف لاغو يتوقع عودة الجنوب والشمال إلى دولة موحدة. الإمارات اليوم

جدد قائد أول حركة تمرد ضد حكومات الخرطوم (أنيانيا 1) الفريق جوزيف لاغو، دعوته حكومتي شمال السودان وجنوبه إلى ضرورة التوافق على اتفاقات تسهم في تعزيز التواصل بين الدولتين، وكشف لاغو في حوار مع «الإمارات اليوم» في جوبا عن تفاصيل جديدة في علاقة حركته المتمردة بإسرائيل، كما تطرق إلى معلومات جديدة تخص ملابسات وتداعيات صفقة تهجير اليهود الاثيوبيين، المعروفين باسم الفلاشا عبر السودان.. تالياً تفاصيل الحوار:

- متى بدأت علاقة حركة التمرد الجنوبية «أنيانيا 1» بإسرائيل؟

قرنق «زول» خطير

- لماذا تحفظ الزعيم الراحل الدكتور جون قرنق على الاتفاقية رغم أنها نصت على الحكم الذاتي الإقليمي؟

-- أولاً جون قرنق كان ضابطاً صغيراً في ذلك الوقت، ولم يشارك في المفاوضات، لكنه كان معترضاً على دمج قوات «أنيانيا 1» في الجيش السوداني، وبدأ توزيع منشورات وسط القوات ضد عملية الدمج، وعندما وصلني الخبر قمت باستدعائه إلى جوبا،حيث اعترف بمسؤليته عن توزيع المنشورات ، وعاتبته بشدة على ذلك.

وطلب مني زميلي في الجيش، اللواء فضل الله حماد، عزل جون قرنق وطرده من الجيش، وقال لي: «الزول ده خطير»، وإذا استمر سوف يدمر الجيش، وكان ردي أن نمهل قرنق بعض الوقت حتى يستوعب العسكرية، وقمت بنقله من بور الى ملكال ليكون أركان حرب لقائد انيانيا هناك بول أويل، وحسب النظم العسكرية فإن قرنق ترقى مباشرة بعد التخرج من كلية الانيانيا العسكرية الى رتبة نقيب». وهو الخريج الجامعي الوحيد الذي انضم إلى «انيانيا 1».

- كم من القوات تم دمجها؟

-- قمنا بدمج 6000 جندي من قوات «أنيانيا 1»، ومثلهم من الجيش السوداني في قوة واحدة، وهي القيادة الجنوبية، ومن بينهم الدكتور جون قرنق والقائد سلفاكير ميارديت والقائد وليام نون بينج والقائد كاربينو كوانين بول، هؤلاء من أسسوا الجيش الشعبي لتحرير السودان.

- إذاً الحركة الشعبية امتداد لـ«أنيانيا 1»؟

-- هذا صحيح، والـ«أنيانيا 1» نفسها امتداد للفرقة الاستوائية.

- يعني تجاوزتم «عقبة» اعتراضات جون قرنق؟

-- لا، جون قرنق كان ضابطاً له قدرات كبيرة وذكاء وأفكار سياسية، وأنا قلت «لازم نحافظ على هذا «الولد»، وعندما تسلمت إشارة من مدير فرع الإدارة في القيادة العامة، اللواء عبدالماجد حامد خليل يطلب مني ابتعاث ضابط من قوات «أنيانيا» الى أميركا، رشحت قرنق حتى لا يكون حاضرا أثناء توزيع القوات المندمجة، أو يدخل في مشاكل مع الجيش السوداني».

- ما أكبر إنجاز حققته اتفاقية أديس أبابا؟

-- تكوين نظام حكم إقليمي في جنوب السودان، بمعنى أن أديس أبابا عادت بالجنوب الى ما قبل استقلال السودان.

-- بدأت علاقتنا عبر المخابرات الإسرائيلية بواسطة مسؤول في السفارة الإسرائيلية في العاصمة الأوغندية «كمبالا»، وكنا نلتقي في سيارة «لاندروفر»، بصورة دورية، حيث بدأت تلك العلاقة في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق «ليفي كشكول»، وقبل انطلاق المفاوضات تولت «غولدا مائير» رئاسة الحكومة الإسرائيلية، وطلبت دعوتنا إلى إسرائيل، ونُقل عنها قولها «احضروا هذا الولد إلى إسرائيل بأي ثمن، وفوراً»، وانطلقت رحلتي إلى اسرائيل من كمبالا إلى جزر القمر، وبقيت هناك ثلاثة أيام أتدرب خلالها على توقيع شخص من جزر القمر يحمل ملامحي، وسافرت بجواز سفر مزور من هناك إلى تل أبيب.

- وماذا حدث في إسرائيل؟

-- فور وصولي المطار استقبلني ضباط من الجيش الاسرائيلي، وأخذوني من المطار مباشرة إلى وزارة الدفاع، حيث خضعت لدورة تدريبية مكثفة، استمرت أسبوعاً خصصت لتقنيات حروب العصابات، وبعدها التقيت رئيسة حكومة إسرائيل آنذاك «غولدا مائير»، ومن بين ما قالته لي «إن في بلادكم نيلاً ومياهاً وفيرة للزراعة».

وكانت مجمل اللقاءات تتمركز حول سبل مدنا بالسلاح، وكان الإسرائيليون حذرين في ذلك، نسبة لأن الدول المحيطة بالسودان لا ترغب في التورط في عمليات نقل السلاح، فاقترحت عليهم تجربتنا في الكونغو التي كنا ننقل السلاح عبرها من خلال الاسقاط الجوي، ووجد المقترح قبولاً من قبل الإسرائيليين الذي شرعوا بعد ذلك في وضع الخرائط، ووصلتنا امدادات السلاح خلال أقل من شهر، بسرية تامة.

- ألم تكن الخرطوم على علم؟

-- لم تعلم الخرطوم بأمرنا إلا بعد حدوث تفوق في موازين القوى لمصلحتنا، لكن الزمن بين تسليحنا من قبل إسرائيل وانطلاق مفاوضات اديس ابابا التي افضت الى تحقيق السلام وايقاف الحرب كان قصيراً، لم يزد على ستة أشهر.

- الآن بعد استقلال جنوب السودان وانفصاله عن الشمال ما مشاعرك؟

-- أنا سعيد باستقلال جنوب السودان الذي جاء بعد سنوات طويلة من المعاناة وأعداد كبيرة من الضحايا، لكنني أتوقع رجوع الجنوب والشمال إلى دولة موحدة وقوية، فألمانيا عادت دولة موحدة وقوية بعد (40) عاماً من الانفصال بين غربها وشرقها.

- متى وكيف خرجت من الجيش السوداني الذي كنت جنرالاً عاملاً فيه؟

-- الجيش السوداني اخذ الطابع العنصري في عهد عبود (1958 - 1964) وبدأ بتنفيذ أجندة سياسية ضد الجنوب، وقبلها قامت القيادة العامة في الخرطوم بتسريح الفرقة الاستوائية واستبدالها بفرقة شمالية، لذا قررت الخروج من القوات المسلحة وتأسيس جناح عسكري لأول حركة تحرر في جنوب السودان، هي انيانيا 1 (معناها السم القاتل)، فمهمتي كانت صعبة، وقتها ليس لديها سلاح، وقد قمت بالاتصال بقدامى المحاربين من جنود الكتيبة الاستوائية، وبدأنا التدريب.

- متى بدأت الحركة معاركها العسكرية ضد نظام الخرطوم؟

-- أول معركة بيننا وبين الجيش كانت في سبتمبر 1963 في طريق «ياي، مريدي»، وكنت أحمل «بانقا»، ولدينا فقط ثلاث بنادق قديمة هي «فوروفو، موريس مارتيني، أبولافتة»، حصلنا عليها من المواطنين، لكن بعدها استفدنا من المشكلات التي وقعت في الكونغو، وتم طرد جيش السابا «قوات لوممبا»، وكثير منهم جاء الى السودان وقام ببيع أسلحته، وأيضاً أفادتنا الحرب بين العرب وإسرائيل كثيراً في جانب التسليح.

- ما أهداف «أنيانيا 1»؟

-- هدفها تحرير جنوب السودان، باعتبار أن السياسيين الجنوبيين كانوا قد طالبوا بحكم فيدرالي، إلا أن الشماليين رفضوا.

- مقاطعاً.. متى رفضوا؟

-- يا ابني مشكلة جنوب السودان بدأت منذ عام 1947م، وقبل هذا التاريخ كان نظام الحكم في جنوب السودان يختلف عن شماله، الجنوب كان قريباً من شرق إفريقيا في توجهاته، والشمال كان أقرب الى مصر، وكلاهما تحت الحكم الانجليزي، وتم توحيدهما في عام ،1947 وهذا كان اكبر خطأ، وقتها طالب الجنوبيون بحكم ذاتي إقليمي، مقابل بقائهم ضمن السودان الموحد، لكنّ الشماليين رفضوا المقترح.

- لكنّ القادة الجنوبيين كانوا جزءاً من مؤتمر جوبا عام 1947؟

-- ما تم في مؤتمر جوبا هو تعليمات ووصايا، ليس هنالك تداول أو نقاش، كل ما تم هو أن الانجليز جاءوا لإبلاغ الجنوبيين بأن بريطانيا قررت أن يكون السودان موحداً، وهذه الوحدة بدأت قسرية واستمرت هكذا الى يومنا هذا، والشماليون كانوا من وراء إصرار المستعمر على توحيد السودان بالقوة، لانهم كانوا أقرب الى المستعمر من الجنوبيين.

- لماذا اتجهتم إلى حمل السلاح بدلاً عن التفاوض في أعقاب الاستقلال؟

-- القادة الجنوبيون السياسيون القدامى في تنظيم الاحرار تحدثوا كثيراً مع الشمال، وطالبوه بحكم فيدرالي يراعي الحقوق الثقافية والدينية لشعب الاقليم، لكن الشماليين «رأسهم قوي»، ولا يستفيدون من التجارب، لذلك لم يكن امامنا إلا حمل السلاح والقتال.

فالسياسيون الشماليون سلموا الفريق عبود السلطة بغرض قهر الجنوب ومنعه من المطالبة بالحكم الفيدرالي، وبدلاً من أن يتم حل قضية الجنوب سلمياً من داخل البرلمان، فضّل الشماليون الحل العسكري، لذلك سلموا عبود السلطة، لذا فقد الساسة الجنوبيون الأمل في الحوار السلمي.

- ما أسوأ فترة حكم بنسبة للجنوبيين؟

-- بعد الانقاذ، أكثر فترة قُتل فيها الجنوبيون كانت فترة حكومة محمد أحمد المحجوب، فحكومة المحجوب هي التي وجهت باغتيال الزعيم وليم دينق، وتم تنفيذها بواسطة قوة أتت من الشمال ونصبت كميناً للزعيم وليم دينق في طريقه من رومبيك الى تونج.

- هل شاركتم في مؤتمر المائدة المستديرة عام 1965؟

-- نعم، ذهب وفد من الحركة برئاسة أقري جادين، وفشلت المفاوضات، ولو وافق الشماليون حينها على مطالب الجنوبيين التي قدمت في مؤتمر المائدة، لتم حل المشكلة، فمطلب الجنوبيين كان الفيدرالية.

- كيف ذهبتم إلى أديس أبابا عام 1972؟

-- الحكومة في الخرطوم هي من طلب التفاوض، وقامت بالاتصال بمندوب الحركة في لندن ماندونق قرنق، بوساطة سفير السودان لدى بريطانيا، وقرنق أبلغنا بأن الحكومة تريد أن تدخل معنا في مفاوضات، قلت له إذا كانت الحكومة قد اعترفت بقضية الجنوب، فليس لدينا مانع، وقبل ذلك بفترة قال الرئيس السابق جعفر نميري إن المواطنين في جنوب السودان يختلفون عن مواطني شمال السودان ثقافياً وعرقياً، لذا لديهم الحق في المطالبة بالحكم الاقليمي، وهذا الحديث هو الذي فتح باب المناقشات، وأنا قلت إن السياسيين قبلي كانوا يطالبون بهذا، لذلك وافقنا على المفاوضات برئاسة رئيس الحزب الفيدرالي أزبوني منديري، وهو من قدامى السياسيين في الجنوب، بجانب جوزيف أوديقو، وبعد مفاوضات طويلة تم التوقيع على الاتفاقية.

تويتر