وضع شائك ينتظر المستوطنين في الدولة الفلسطينية المقبلة
كل يوم جمعة، وبعد انتهاء اليوم الدراسي في الأيام الأخرى، يطلق الجنود الإسرائيليون الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية على أطفال المدارس الفلسطينيين لدى اقترابهم من أحد الينابيع في وادٍ يفصل بين قرية «النبي صالح» التي يقطنها ما يزيد على 500 فلسطيني ومستوطنة «حلاميش» اليهودية الدينية. وفي معظم الليالي تجوب السيارات العسكرية الإسرائيلية القرية، وخلال الـ 18 شهراً السابقة اعتقل الجيش الاسرائيلي ما يصل الى 32 طفلاً فلسطينياً بعضهم في سن الـ ،11 والكثير منهم تم جرهم جرا خلال نومهم، ويتم احتجازهم لشهور قبل تقديمهم للمحاكمة مقيدين بالأصفاد بتهمة رمي الجنود بالحجارة.
بعض سكان مستوطنة «حلاميش»، الذين يتسلل الغاز المسيل للدموع الى داخل غرف نومهم، لا يعتقدون ان اعتقال ومحاكمة الاطفال كافٍ، ويشكو المستوطن إيان سيجال من «أن الجنود ينبغي ان يتسببوا في عاهات للأطفال بما فيه الكفاية»، وكان سيجال قد وضع قبل عام ونصف العام لافتة سمى بموجبها الينبوع باسم والده، الأمر الذي أثار الغضب وسط الفلسطينيين الذين اعتبروا هذه الخطوة هي عبارة عن مصادرة لأراضيهم. وأصبح كل من الفلسطينيين واليهود الذين يتشاركون انبوباً للمياه على الينبوع يتصارعون الآن حول ملكية الينبوع. ويقول احد المستوطنين «عندما نرى العرب متوجهين نحو الينبوع، فإننا نصرخ وننادي الجنود لصدهم بعيداً عنا». ويعتبر الجنود الاسرائيليون انفسهم أنهم مسؤولون عن الفصل بين العرب والإسرائيليين في الضفة الغربية، والذين يقيمون على ارض يعتبرها الفلسطينيون جزءاً من دولتهم المستقبلية. وفي الوقت الذي يتزايد فيه الضغط على اسرائيل لمغادرة الأراضي الفلسطينية، فإن بعض الفلسطينيين والمستوطنين اليهود بدأوا يتفكرون في ما سيخبئ لهم المستقبل عندما يغادر الجنود الاسرائيليون المنطقة.
وتختلف الآراء في هذا الصدد. احد الرؤساء السابقين لمكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي، الذي يعيش في مستوطنة «عوفرا» بالضفة الغربية يؤيد دولة فلسطينية منفصلة يتمتع فيها كل من الفلسطينيين والاسرائيليين بحقوق سياسية مكتملة. اما البعض الآخر فيساند مفهوم «دولتين متوازيتين» يدين فيها كل من اليهود والعرب بالولاء لبرلمان خاص بهم، لكنهم يتشاركون في الوقت نفسه «أرض دولة واحدة وجيشا واحدا». كما يقترح البعض الآخر ان يظل المستوطنون في الضفة الغربية تحت الحكم الفلسطيني. ويتساءل عضو المجلس المحلي، زكي كرافيتز، الذي يتطلع الى الوقت الذي يلبي فيه كل من المستوطنين والفلسطينيين دعوة بعضهم بعضا لحضور الاعراس «عن مصير ممتلكاته في عهد الحكم الفلسطيني؟».
قد ينسحب الجيش الاسرائيلي اذا ما توفر بديل يمكن بواسطته اخلاء المستوطنات من قاطنيها من دون استخدام القوة الجبرية. وبموجب اتفاق لاقى استحساناً من جميع الأطراف، فإن اكثر من 200 الف مستوطن (من دون مستوطني القدس الشرقية)، قد يقيمون داخل حدود اسرائيلية معدلة مع تعويض الفلسطينيين ارضاً مشابهة في مكان آخر، إلا انه وفي ظل مثل هذه التسوية سيظل اكثر من 80 الفاً من المستوطنين في الضفة الغربية معظمهم متدينون صهاينة مسلحين تسليحا جيدا، الذين قد يقاومون بشدة أي اخلاء بقوة السلاح.
في عام 2009 بُلغت المفاوضة الاسرائيلية في ذلك الوقت، تسيبي ليفني من نظيرها الفلسطيني في ذلك الوقت ايضاً، احمد قريع بأن المستوطنين الاسرائيليين لهم حرية العيش في ظل أي دولة فلسطينية مستقبلية، وأبدى رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي، بنيامين نتنياهو، اهتمامه بالاقتراح نفسه عندما ذكر امام الكونغرس الاميركي ومجلس النواب في مايو الماضي أن «بعض المستوطنات الاسرائيلية ستنتهي الى ما وراء الحدود الاسرائيلية». بعض الدبلوماسيين الغربيين الذين ابدوا استياءهم من عدم رضوخ اسرائيل لدعوات ايقاف بناء المستوطنات قد يرحبون بهذه الأفكار التي قد تسهل من ابرام اتفاقية بشأن دولتين مستقلتين.
بيد ان اثارة مثل هذه التساؤلات قد يثير الكثير من الاعصاب، فقد سعت السلطة الفلسطينية تحت رئاسة محمود عباس مراراً الى الابتعاد عن أي مشروع مشترك بين المستوطنات اليهودية والقرى الفلسطينية المجاورة، اذ ان أي تعاون في هذا الخصوص قد يشعر المستوطنين بالهدوء والاطمئنان وبأنهم في موطنهم.
لا احد يدري كم من المستوطنين يريد البقاء، فقد نأت مراكز استطلاعات الرأي بنفسها عن هذا المجال. وبعض الزعماء الدينيين اليهود من بين المستوطنين لا يقبلون بأي حكم علماني يهودي او غير يهودي على المستوطنات، ويقولون إنه ينبغي عليهم ان يقيموا على ما يعتقدونه ارضا يهودية حتى ولو كانت تلك الارض تحت حكم فلسطيني.
ويرى بعض اليهود أن من واجبهم الدفاع عن مكان اقامتهم. احد ارباب المعاش في مستوطنة حلاميش يقول «بمجرد ان تأتي الشرطة الفلسطينية امام ابواب المستوطنة فسنفتح النار عليها في الحال»، مشيراً الى ان الصهاينة المتدينين يشكلون 40٪ من الوحدات الاسرائيلية المقاتلة. ويتحدث بعض المتشددين اليهود في مناطق نائية عن استعدادهم لتشكيل حكومتهم الدينية الخاصة بهم. ويقول حاخام في احد المستوطنات إنه «اذا انسحب الجيش فإننا سنقيم دولة الشريعة اليهودية الخاصة بنا في المناطق العليا جنباً الى جنب مع الدولة العلمانية اليهودية الواقعة على الساحل».
بعض الأسئلة الشائكة لاتزال تراوح مكانها: هل من الممكن ان يحصل اليهود على جنسية فلسطينية في حالة اقامتهم في الدولة الفلسطينية المستقلة، ام هل في استطاعتهم الحصول على الجنسية المزدوجة الاسرائيلية - الفلسطينية؟، وهل ستظل المستوطنات يهودية بالكامل ام هل ستكون متاحة ايضا للمواطنين الفلسطينيين؟. وكيف ستتعامل المحاكم الفلسطينية مع الدعاوى المرفوعة ضد المستوطنين الذين يعيشون على اراضٍ منهوبة من العرب، اما السؤال الاكثر الحاحا هو: كيف ستجرد حكومة فلسطينية في دولة مستقلة المستوطنين من اسلحتهم التي يصرون على الاحتفاظ بها للدفاع عن انفسهم؟