نظام الأسد اختار طريق اللاعودة
عندما أرسل الرئيس السوري بشار الاسد الدبابات للقضاء على المعارضة في مدينة حماة التي لاتزال تلوح بها ذكريات مذبحة قتل فيها نحو 20 ألف شخص عام ،1982 فإنه اختار بذلك طريق اللاعودة.
حذرت الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وتركيا عائلة الاسد من أي محاولة لتكرار مذبحة حماة التي أخمد فيها الرئيس الراحل حافظ الاسد، والد الرئيس الحالي، تمردا اسلاميا وسوّى أحياء بأكملها بالارض، لكن الحكومة تلمح لعدد متزايد من منتقديها في الخارج الى أنها لن تذعن لمطالب التغيير التي تجتاح العالم العربي، كما تشير لشعبها الى استعدادها للخوض في بحور دم من أجل البقاء في السلطة.
ويبدو أن عائلة الاسد، بعد أن عكفت على حملة عسكرية لسحق الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية بأي ثمن، قررت رفع ضريبة الاحتجاج، وتكليف المحتجين ثمنا باهظا، في وقت يتيح فيه شهر رمضان للمعارضة منبراً لتوسيع الانتفاضة المستمرة منذ نحو خمسة أشهر.
وتقول رئيسة مبادرة الاصلاح العربية ومقرها باريس بسمة كدماني، إن «الهجوم على حماة مؤشر إلى فقد السيطرة. لقد تخطوا الحدود. يريدون أن يظهروا أن بإمكانهم رفع مستوى القمع ليشمل كل البلاد».
ويقول المحلل في شؤون الشرق الاوسط والمقيم في بيروت رامي خوري، «الواضح هو أن الحكومة مستعدة لاستخدام القوة دون حدود، لكن هذا لا يعني حل المشكلة بل يجعل التمرد أكثر قوة». ويضيف «ستتوحد صفوف المعارضة بشكل أكبر ومن الخيارات المحتملة أن تشكل حكومة في المنفى تحظى باعتراف بعض الدول، وسيشكل هذا ضغطاً هائلاً على نظام الاسد».
ومن الواضح أن بشار الذي تولى السلطة بعد وفاة أبيه عام ،2000 يعتقد أن القوة البالغة ستطفئ دعاوى الحرية.
لكن بعد سقوط 1600 قتيل، وايداع الآلاف في السجون، امتدت الاحتجاجات من مدينة الى أخرى ولم يثنها القتل والاعتقال واختفاء الآلاف واللجوء الى التعذيب.
ويقول نديم حوري من منظمة هيومان رايتس ووتش المعنية بحقوق الانسان في بيروت «بعد أربعة أشهر من القمع الوحشي لم يدرك النظام أنه لن يكون هناك حل عسكري لحركة الاحتجاج، وأن الحل الوحيد هو إجراء اصلاحات».
ومن الواضح أن هجوم الدبابات على حماة يوم الاحد الذي قتل خلاله 84 شخصاً ما هو الا محاولة لاستعادة السيطرة على المدينة قبل شهر رمضان، وتجنب الاحتجاجات خلاله. ويؤكد حوري «يريدون أن يمنعوا حماة من أن تصبح رمزا ومصدر إلهام لمدن أخرى»، لكن محللين يرون أن القسوة بلغت بالسلطات مبلغها حين اختارت مستهل شهر رمضان وحماة بالذات لشن الهجوم.
ويضيف «لا يمكن ذكر الدبابات وحماة دون أن نستحضر ذكريات المذبحة. رمضان مملوء بالرموز، وسيشعر الناس بحزن أكبر من النظام، وسيكون هناك رد فعل عكسي».
ويقول محللون انه ستكون هناك دعوات خلال الصلوات في رمضان لانتفاض المزيد من المدن، بما في ذلك دمشق وحلب ثاني اكبر المدن السورية. ويتوقعون أن يستجيب كثيرون لهذه الدعوات. وبالنسبة للأسد فإن عليه أن ينفذ الاصلاحات التي يعد بها منذ توليه السلطة عام ،2000 وأن يطهر المؤسسة السورية من أقوى حلفائه وأعوانه. وبما أنهم أساس سلطته فإن هذه الخطوة غير مرجحة، لكن مع اتساع نطاق الاحزان واراقة المزيد من الدماء فإن السلطات ربما لا تكون بالقوة التي تبدو عليها. ويقول أستاذ دراسات الشرق الاوسط في جامعة الدفاع الوطني ومقرها واشنطن مرهف جوجاتي «مذبحة حماة نقطة تحول».