النظام السوري لايزال يستخدم آلة القتل ضد المتظاهرين الأبرياء. أ.ف.ب

إنهاء الدولـة البوليسية والانتـخابـــات الحرة ركيزتا الحل في سورية

خلّفت الآلة العسكرية التابعة للرئيس (السوري) بشار الأسد دماراً هائلاً في حماة ودير الزور، وغيرهما من المدن السورية المنتفضة. ولا يواجه آلاف السوريين «آلة القتل» هذه إلا بشيء أكبر بقليل من شجاعتهم الطبيعية، في الوقت الذي وصل فيه النظام إلى مرحلة الغسق السياسي. وقد استخدم العاهل السعودي عبدالله بن عبدالعزيز، العبارة نفسها قائلاً إن الرياض «تطلب وقف آلة القتل. وتدعو إلى تصرف حكيم قبل فوات الأوان». ولكن، كما يعرف الملك والحكام في الشرق الأوسط أنه قد فات الأوان فعلاً، فقد سلك نظام الأسد طريقاً لا رجعة فيه، في أبريل الماضي عندما أرسل المدرعات والجنود المدججين بالسلاح إلى درعا، جنوب البلاد، حيث انطلقت شرارة الانتفاضة في أواسط مارس. وانتشرت الاحتجاجات في ربوع سورية، ولم تفلح الدبابات ولا القناصين في إسكات أصوات المحتجين، كما لم تنجح عمليات الدهم والحصار والتعذيب الوحشي، على مدى شهور متواصلة، في إخماد الانتفاضة الشعبية.

والوحشية المفرطة للنظام تعني أنه ليس بإمكان الثوار التوقف، ومن الأفضل أن يواصلوا الاحتجاجات على الرغم من القمع أفضل من مواجهة انتقام من نوع خاص، الموت أو الزنازين.

والآن لا يمكن لهذه الانتفاضة السلمية التي قام بها الشباب السوري أن تنتهي إلا بتغيير حقيقي، والتغيير هو وضع حد للدولة البوليسية، واحتكار حزب البعث السلطة. كما يجب تنظيم انتخابات حرة وإنشاء نظام قضائي مستقل لا يحكمه إلا القانون. وقد توهم الكثيرون بأن بشار الأسد الذي خلف والده في سنة ،2000 سيلبي طموحات الشعب السوري.

وخلال السنوات الماضية، اعتقد قادة عدد من الدول، بما في ذلك رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وأخيراً رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أن الرئيس الشاب يفهم ما يجب فعله للقيام بالتغيير الضروري. ويبدو أن هناك دائما قراءة خاطئة للأحداث في ما يخص موازين القوى داخل الدولة البوليسية، والتي تعتبر سورية نموذجاً لها، وأن هناك نهماً لديكتاتورية يتوارثها الابن عن الأب.

وكان يفترض أن تزيل الأزمة اللبنانية، التي انتهت بمقتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في ،2005 القناع الرقيق من على وجه النظام السوري. ويذكر أن الأسد كان قد أعطى، في ،2004 ضمانات للحريري، بشأن مسألة خلافة الرئيس السابق إيميل لحود، وأنها ستكون سلسة جداً، وأن هناك بدائل ستدرسها دمشق. وكان لحود يعتبر أداة تحكم في بيروت بأيدي النظام السوري. وبعد أسابيع من ذلك يفاجئ الرئيس السوري، الحريري بقرار بقاء لحود رئيساً للبنان، وأنه مستعد لتدمير بيروت فوق رأسه إذا عارض الحريري هذا القرار. والواقع أن فريق الأسد حسم الأمر من أجل مصالحه المهمة في بيروت. لقد استخدم النظام منطق المصالح فحسب، ولم تكن المسألة شخصية على الإطلاق.

وتسبب اغتيال الحريري في شرخ في العلاقات بين دمشق والرياض، إذ وجهت أصابع الاتهام إلى النظام السوري بالضلوع في تصفية المسؤول اللبناني.

والآن يكسر الملك عبدالله حاجز الصمت ودان حمام الدم في سورية، والأمر يبدو شرخاً لا يمكن إصلاحه.

وقامت الرياض والكويت والدوحة بسحب سفرائها من دمشق، في الوقت الذي أعطى فيه أردوغان إنذاراً نهائياً لنظام الأسد، يفترض وزير خارجيته نقله بنفسه للقيادة السورية خلال زيارته (تمت أمس). وهذه التحركات لن تكون من دون تداعيات كبيرة، والأمر لا يتعلق بتغير المشاعر تجاه نظام دمشق، لكن هناك قناعة تترسخ في المنطقة بأن النظام انتهى. وفي سياق متصل، طلبت دمشق، الشهر الماضي، من السعودية إيداع مليار دولار في البنك المركزي السوري، لأن الحكومة تقول إنها عاجزة عن دفع رواتب الموظفين الحكوميين. وقبل ذلك بقليل، عرضت قطر تلبية حاجات سورية شرط أن تقوم دمشق بالإصلاحات التي اقترحتها أنقرة. ويدل ذلك على أن النظام السوري يعاني مشكلة مالية.

وتعين على رامي مخلوف، وهو ابن خال الرئيس ورجل الأعمال الأبرز في البلاد، أن يدفع مليار دولار للمصرف المركزي، ويقال إن مخلوف والدائرة المحيطة به تسيطر على ثلث الاقتصاد السوري، الذي يعاني من العقوبات منذ سنوات. وخلال اجتماع لملاك الأسهم في شركة «شام القابضة» التي يمتلكها مخلوف، حسب رواية أحد المستثمرين الحاضرين، لم يتمكن الأعضاء من انتخاب مجلس إدارة جديد بعد ذهاب رئيسه نبيل الكزبري، الذي وضعته الخزانة الأميركية ضمن القائمة السوداء. ويبدو أن النخب الاقتصادية بدأت تنفصل على النظام، كما أن بعضاً منها بات يمول المعارضة.

ويرى مراقبون أن المناخ الدولي بات أكثر ملاءمة لتوسيع وتشديد العقوبات الاقتصادية على النظام. وجعل هروب رأس المال وانهيار الإيرادات الحكومية، خصوصا في قطاع السياحة، الذي سببته الانتفاضة الشعبية المستمرة منذ أربعة أشهر، الأسد ورفاقه في أمسّ الحاجة إلى السيولة النقدية. ومن ثم فإن خطوة الاتحاد الأوروبي بتوسيع تجميد الأصول السورية والقيود على سفر المسؤولين الحكوميين مرحب بها. وإذا حذت دول أخرى - خصوصاً دول المنطقة -أ حذوه واستهدفت المشروعات الممولة للنظام، فإن التأثير الشامل يمكن أن يكون كبيراً.

في المقابل، يظهر النظام السوري قدرة كبيرة على القمع، إذ تتولى العملية الفرقة المدرعة الرابعة والحرس الجمهوري، وهما نخبة الجيش السوري، ويتولى قيادتهما ماهر الأسد شقيق الرئيس. ومع انتشار الاحتجاجات بات القائد العسكري غير قادر على التعامل مع أماكن مختلفة من البلاد. ومع ذلك يبدو أن النزاع سيستمر وسيكون دموياً، ولن يكون هناك سيناريو ليبي آخر لمساعدة المعارضة السورية، ولا يحتاج الأمر لذلك. والعالم اليوم أمام نظام «بلطجي» طالما قدم نفسه على أنه القلب النابض للعروبة. ولنسلم أن التدخل الدولي في ليبيا قد قدم مساعدة لليبيين، ولو انتصر (الزعيم الليبي) معمر القذافي هناك، فإن موجة الثورة في سورية ستنكسر بعد أيام من ذلك.

الأكثر مشاركة