جدل في لبنان حول قانون يُجرم ضرب الزوجات
تروي «سهى» بحزن وغضب أشكال العنف التي تعرضت لها في بيت الزوجية، قبل ان تنتزع «بالدم»، كما تقول، حكماً بتفريقها عن زوجها، وتبدأ من الصفر رحلة بناء مستقبل جديد لها ولابنائها الثلاثة.
تقول سهى (31 عاماً) «تحملت الضرب المبرح لانني كنت واقعة في معضلة، فأهلي يعتبرون الطلاق عيباً، ولم يوافقوا على عودتي إليهم ومعي الاطفال، ومن جهة أخرى لم يكن ممكناً أن أترك اطفالي مع زوجي السابق وبيئته». ومع ان سهى لا تشكل حالة منفصلة في المجتمع اللبناني، بل واحدة من حالات كثيرة جداً، على ما يقول خبراء وحقوقيون، إلا ان مشروع قانون العنف الاسري لايزال يجد صعوبة في إقراره في مجلس النواب، بسبب تحفظات دينية واجتماعية، كما يشير حقوقيون الى وقوعه في دائرة التجاذبات السياسية.
حصلت (سهى) قبل عامين على حكم بالتفريق عن زوجها، وذلك بعدما أصبح الواقع الذي تعيشه غير محتمل، وهي مسلمة، كانت متزوجة بمسلم تختلف عنه في المذهب، وتقول «حصلت على هذا الحكم بالدم! فالمحكمة الشرعية حكمت بالطلاق، بسبب التقارير الطبية التي أكدت أنني أتعرض لضرب مبرح».
ومع ان (سهى) تبدي احتراماً كبيراً للقاضي الشرعي الذي «وقف معي وحكم لي بالطلاق بسرعة»، إلا انها لا تخفي امتعاضها من اعتراض المرجعيات الدينية الاسلامية في لبنان على مشروع القانون الذي يجّرم العنف الاسري، كما تبدي استياءها أيضاً من تعامل أجهزة الدولة اللبنانية مع هذه القضية.
وتقول ان «الشرطة تتلكأ في الزام زوجي السابق بحكم النفقة الصادر عن المحكمة الشرعية، والمرجعيات الاسلامية تحارب مشروع القانون الذي يحمينا. اشعر بأنني وحيدة، وأتحمل وحدي مسؤولية تربية اولادي الثلاثة».
ومشروع القانون الذي وضع بناءً على اقتراح جمعيات نسائية ومحامين واطباء شرعيين، حظي بموافقة مجلس الوزراء في .2010 وهو قيد الدرس حالياً في البرلمان، لكنه جوبه اخيراً بمواقف حادة من دار الفتوى، أعلى هيئة دينية سنية في لبنان، التي وصفت القانون بانه يقصد «تفكيك التركيبة الاجتماعية للاسرة»، ووصفت واضعيه بأنهم يستندون الى «مبادئ الرأسمالية المتوحشة»، و«حزب الله» الشيعي الذي وصفه نائب امينه العام نعيم قاسم بانه «يتدخل بين الزوج وزوجته».
وينص مشروع القانون على إجراءات تتيح حماية المرأة التي تقع ضحية العنف من قبل زوجها او اي فرد آخر من عائلتها، من بينها التشديد على تدخل الشرطة لحمايتها بناء على طلبها، إلا ان الشيخ همام الشعار احد الذين صاغوا بيان دار الفتوى الذي ندد بمشروع القانون يعتبر ان هذا المشروع يتضمن «مخالفات دينية»، منها انه «يجرم الضرب غير المبرح، ويناقض مبدأ قوامة الرجل على الأسرة». ويقول لوكالة فرانس برس إن «كثيراً من مواد القانون موجودة اصلاً في قانون العقوبات، من حماية المرأة من الضرب المبرح الى تجريم دفعها على التسول وغير ذلك، فلماذا لا تطبق هذه المواد الموجودة اصلاً بدل من ان يجري طرح قانون ثان؟». ويقول القاضي في المحكمة الشرعية السنية عبدالعزيز الشافعي لوكالة فرانس برس إن «هناك ارهابا فكريا في معالجة الموضوع يقوم على تصوير من يخالف هذا المشروع بأنه يؤيد العنف ضد النساء».
ويضيف «لا أحد يقول انه لا يوجد تعنيف للمرأة، ولا احد يقول ان مشروع القانون لا ينطوي على ايجابيات، لكن استطيع ان اقول إن حدة بيان دار الفتوى كانت في جزء منها بسبب عدم الرغبة لدى واضعي المشروع في الاستماع لرأينا وملاحظاتنا».
وتقول المحامية غادة إبراهيم رئيسة جمعية «حقوقيات» ان مشروع القانون المطروح «يندرج في اطار القانون الجزائي، مثل القوانين التي تتحدث عن السرقة أو القتل او غير ذلك، ولا علاقة له من قريب او بعيد بقوانين الاحوال الشخصية. لهذا لم تجر مناقشته مع المرجعيات الدينية، ولذلك استغرب ان يكتسب النقاش حوله صبغة طائفية». ولا يوجد في لبنان قانون موحد للاحوال الشخصية من زواج وطلاق وارث ووفاة، بل تقوم كل طائفة برعاية قانونها.
وكان مشروع قانون للزواج المدني واجه حملة عنيفة ادت الى سحبه من التداول في .1998 وتضيف غادة ابراهيم لفرانس برس «لا أقبل تصوير الاسلام على أنه يحمي العنف ضد المرأة، فرد فعل رجال الدين اعطى انطباعاً بأن المسيحية تحمي المرأة أما الاسلام فيحمي من يعنّف المرأة».
وإن كانت مشكلة القانون غير مطروحة لدى الطوائف المسيحية، إلا ان مشكلة العنف المنزلي عابرة للطوائف ومنتشرة في كل مكان.
وتروي منى وهي، شابة مسيحية كانت متزوجة من رجل يكبرها بـ20 عاماً، انه بدأ يعنفها ويضربها بعنف بعد مرور سنتين على زواجها، وكانت قد رزقت بنتاً في ذلك الحين. وتقول لفرانس برس «المحيطون بي، وبينهم الكاهن، كانوا ينصحونني بان اصبر ويقولون غداً يتغير، لكنه لم يتغير».
وتضيف «في النهاية هربت من المنزل الى بيت اهلي ورفضت العودة، وكانوا هم قد سئموا معاملته لي، ولم يعد يهمهم ما يقوله الناس، فوافقوا على ان ابقى عندهم مع ابنتيّ الاثنتين».
ترى المحامية غادة ابراهيم، أن هذه الحالات من العنف الاسري ليست حالات منفصلة، بل تشكل واقعاً عاماً في لبنان. وتقول لفرانس برس «إذا اخذنا في الحسبان ان الغالبية العظمى من النساء المعنفات لا يلجأن الى القضاء، بسبب التقاليد الاجتماعية، وعدم الثقة بنظام الحماية المعمول به حالياً، يمكننا ان نتخيل حينئذ الحجم الحقيقي لهذه المشكلة في مجتمعنا». وتضيف ان «مشروع القانون هذا جرى إقراره في عهد الحكومة السابقة التي كانت حكومة اتحاد وطني تمثل كل الاطراف في البلاد، فلماذا يتعرض الآن للعراقيل؟». وتتخوف إبراهيم من أن يكون هذا المشروع قد اصبح «من نقاط التجاذب السياسي في البلد بعد تغيير الحكومة».
تؤكد الناشطة فاتن أبوشقرا، منسقة حملة تشريع حماية النساء من العنف الأسري، ان «الحملة ستستمر في حال لم يقر مشروع القانون أو اقر بشكل يفرغه من مضمونه»، ولا تستبعد تنظيم اعتصامات وتظاهرات لهذا الشأن. وتنشط ابوشقرا في جمعية «كفى»، التي تتابع النساء المعنفات اجتماعياً وقانونياً ونفسياً، وهي جزء من «التحالف الوطني لتشريع حماية النساء من العنف الاسري». وتضيف «نشعر بأن الهجمة على المشروع غير مبررة، وكلنا أمل أن يتخذ نواب الأمة القرار المناسب».