المجاعة تسلب جنـوب الصومال نعمة الحياة
تراكمت الأتربة على الأراضي شبه القاحلة المحيطة في بلدة دوبلي الحدودية في جنوب الصومال، واختفت النباتات، فيما تحكم المجاعة قبضتها على المنطقة، وتخلو القرى من سكانها الجياع الذين فروا من ديارهم.
وتظهر آثار طلقات الرصاص على المباني في دوبلي، وهي من ندوب المعارك التي جرت في وقت سابق من العام، حين طردت القوات الصومالية ومقاتلون من ميليشيا راس كامبوني (المتحالفة مع الحكومة) الميليشيات الاسلامية من البلدة الحدودية.
ويقود مسلحون على اكتافهم أحزمة الذخيرة عربات دفع رباعي مدججة بالسلاح للإبقاء على سلام هش. ويتمركز متمردو «حركة الشباب المجاهدين» التي ترتبط بصلات بتنظيم القاعدة على بعد 20 كيلومتراً الى الشرق في قرية داجالاما، وعلى بعد 30 كيلومتراً إلى الجنوب في هاوينا.
ويتكرر المشهد نفسه في العديد من الأماكن في جنوب الصومال، الذي اعلنت الامم المتحدة انه يعاني مجاعة، ما يعرض 3.7 ملايين صومالي معظمهم من المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في الجنوب للموت جوعاً. ولا يسع عبدالله عبدالسلام سوى ان يراقب أسوأ جفاف في عقود، يقضي على ماشيته ويرفع أسعار المواد الغذائية الى حد بعيد عن متناول الغالبية، لتتوقف الحياة تدريجيا في كشك بقالة صغير يمتلكه.
وقال عبدالسلام «استثمرت كل ما أملك في تلك الماشية، معظمها نفق، والبقية هزيلة ولا قيمة لها». لكنه بين قلة أوفر حظا لانه صاحب تجارة صغيرة، وان كانت تضمحل، يعتمد عليها في معيشته.
وكانت دوبلي مركزاً تجارياً يضج بالحياة، لأنه نقطة عبور الى كينيا أكبر اقتصاد في المنطقة. والآن لا يعبر المنطقة سوى أسر منهكة في طريقها الى أكبر مخيم للاجئين في العالم على الجانب الآخر من الحدود. وفي ارجاء الصومال ضاع المحصول وتقريبا جميع الاطعمة في المتاجر في دوبلي مستوردة. وكي تصل هذه الاطعمة من ميناء كيسمايو الذي يسيطر عليه مسلحون، يرغم التجار على عبور حواجز عدة على الطرق، وغالبا ما يجري تحصيل «ضرائب» عنوة. ويفضل كثيرون ان يسلكوا طرقا طويلة لتفادي هذه الحواجز والنتيجة واحدة، أسعار أعلى. وتجلب ماكو محمود حشائش جافة الى دوبلي من وادي جوبا الاكثر خصوبة. وتقول الام البالغة من العمر 32 عاماً «يستوقفنا الشباب على الطريق ويسألون إذا كانت الحشائش علفاً للماشية في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة. لا أقول انها لدوبلي، اقول انها لافمادو. ليست بعيدة من هنا، لكنها تحت سيطرتهم». لكن قلة من تطيق دفع ثمن العلف. وتقع دوبلي على بعد خمسة كيلومترات من الحدود مع كينيا، وتسير الحركة في اتجاه واحد عبر الحدود مع هروب عشرات الآلاف من الصوماليين من المجاعة التي تشتد في جنوب البلاد. وتقدر الولايات المتحدة أن أكثر من 29 ألف طفل دون الخامسة لقوا حتفهم جراء الجفاف والمجاعة في جنوب الصومال في الاشهر الثلاثة الماضية. وفي مجمع متهالك على مشارف دوبلي تبعد حبيبة مهد أدن الذباب عن عيني طفلها البالغ من العمر أربعة اعوام، والذي يعاني سوء تغذية حاد، وبلغ به الضعف مبلغا يمنعه حتى من البكاء.
وقالت أدن «لم أحصل على شيء لطفلي»، وهي تفكر ملياً في قطع مسافة 100 كيلومتر للوصول لمخيم داداب للاجئين، بعد ان سارت بالفعل وسط أراض قاحلة على مدار ثلاثة اسابيع. وحتى في المناطق التي تسيطر عليها القوات الصومالية وميليشيات موالية للحكومة تتحرك الرمال باستمرار، ما يحول دون دخول منظمات الإغاثة. والأخطر ان الحدود مع كينيا مغلقة رسمياً، ما يعقد تسليم المعونات عن طريق البر.
وقال رئيس برنامج الصومال في منظمة الامم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) لوكا الينوفي، وهو يقف وسط أراض قاحلة تتناثر فيها الحيوانات النافقة «لا بديل عن تقديم اعانة نقدية فورية للمواطنين، وفي الوقت نفسه العمل فورا على حماية مصدر الموارد (الماشية)».