على الغرب التحلي بالشجاعــة لوقف الأسد عند حده

الإدانة وحدها لا تكفي لوقف حمّامات الدم في ســورية

الأسد زجّ بالآليات التي دفع ثمنها الشعب السوري لمحارية المتظاهرين الأبرياء. إي.بي.إيه

نعم، تزداد عزلته يوماً إثر يوم، وبعد يوم من قرار العاهل السعودي عبدالله بن عبدالعزيز سحب سفيره من دمشق، حذت حذوه كل من الكويت والبحرين. وترى جامعة الدول العربية ان على (الرئيس السوري) بشار الأسد ان «يتوقف في الحال» عن المضي في أعمال العنف ضد المحتجين. ثم «زعقت» الامم المتحدة وطالبت بالكف عن أعمال العنف، على الرغم من محاولتها إلصاق التهمة أيضا بالمتظاهرين السوريين من خلال مطالبتها الجانبين «بضبط النفس»، وكأنما لدى المتظاهرين دبابات. ثم تحدث الرئيس الروسي (ديمتري) مدفيديف بتجهم عن «مصير» بشار، حتى تركيا «قد بدأ صبرها ينفد»، حسب رئيس وزرائها، رجب طيب اردوغان، وعلى كل حال فهناك «ملاذ تركي آمن» في شمال سورية.

المشكلة هنا هي ان كل واحد من هؤلاء «بدأ صبره ينفد» من سورية منذ بدايات الربيع العربي، ولم يفعل احد أكثر من تغيير لهجة الخطابة، في الوقت الذي تتزايد فيه اعداد الضحايا الأبرياء من 500 الى 1000 الى اكثر من ،2000 وبطبيعة الحال فإن غياب الصحافيين داخل سورية يعني ان جل الحقيقة غائب عنا، فقد عرض التلفزيون السوري الرسمي مناظر لرجال مسلحين موجودين وسط المتظاهرين في مدينة حماة، وأشاهد أيضا يوميا وخلال الليل في التلفزيون الرسمي صور تشييع عشرات الجثامين - التي ربما وصلت الآن الى 300 - لجنود سوريين. من الذي قتلهم؟ ومن هم هؤلاء الرجال المسلحون؟ انني اعتبر «يوتيوب» شاهد غير أمين على التاريخ، ولكن ربما ومما لا شك فيه ان هؤلاء المدنيين عندما شاهدوا هذا المستوى الغاشم من العنف رأوا أن يتسلحوا ليدافعوا عن أنفسهم وعائلاتهم ضد العنف الرسمي، ولينتقموا من النظام، وأيضا لإبعاد الميليشيات عن مدنهم.

أما عائلة الأسد بطبيعتها الاستهتارية كالعادة تعمل على سن التشريعات الاصلاحية، وتمضي في الوقت نفسه قدما في قتل من سيستفيدون من هذه القوانين الاصلاحية الجديدة.

فهمت جيداً التملق العربي وردود الفعل الاوروبية على حمامات الدم السورية، هل فعل كل من السادة (رئيس الوزراء البريطاني ديفيد) كاميرون و(الرئيس الفرنسي نيكولا) ساركوزي و(الرئيس الأميركي باراك) أوباما شيئا بعد حمايتهم بنغازي؟ هل حاولوا كبح جماح حماستهم الصبياني في توعدهم لتدمير (الزعيم الليبي معمر) القذافي؟ ربما يكون لديهم العدة والعتاد لتدمير بعض من دبابات الاسد البالغ عددها 8000 دبابة، وذلك الاسطول الضخم من المدرعات، وأضيف إلى ذلك ان تلك الآليات دفع ثمنها الشعب السوري لحماية سورية من إسرائيل، وليس لحماية النظام السوري من السوريين انفسهم.

(وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ الذي صدق بعقل طفولي ان القذافي في طريقه الى فنزويلا - صار الآن يتحدث عن كيف ان الغرب لا يستطيع ان يفعل الا القليل لإيقاف الاسد عند حده، هذا سخف وأيما سخف، فالقواعد الجوية الملكية البريطانية الموجودة في قبرص أقرب الى سورية اكثر من ليبيا. وبما اننا قد منعنا إراقة الدم في بنغازي، وتركنا الليبيين يتقاتلون في حرب اهلية، فلماذا لا نجد الآن «رأياً عاماً» شجاعاً يبرر هجومنا على قوات الاسد، ولكن مهلاً لقد تذكرت، فليبيا لديها كميات هائلة من النفط، وسورية لديها القليل جدا منه. وعلى الرغم من كل هذه الضجة الصادرة من العالم العربي بشأن ليبيا، فإن معظم طغاة الشرق الأوسط يفضلون إصلاح نظام الأسد بدلاً من الحرية والكرامة لشعبه. ونعتقد ان الاسرائيليين لا يريدون تغيير النظام في سورية، فهل ينطبق الشيء نفسه على الاميركيين؟

علينا ان نقارن رد فعل أوباما على مذبحة النرويج، وعلى حمامات الدم الكبيرة في سورية، ويصف لنا اوباما كيف ان مجزرة النرويج قد «شطرت فؤاده»، ونسي ان هناك اناس أبرياء اكثر من غيرهم في سورية، الامر الذي قد يجعل العالم يبدو افضل من غير الاسد. هناك اكثر من «بريفك» بين الشبيحة السوريين، إلا ان الزعماء الغربيين لا ينحون باللائمة على ما صنعته ايديهم، لأن بشار من صنع الغرب.

«أي عربي مسلم عاقل او أي شخص آخر يعلم جيدا ان ذلك لا يمت إلى الدين او الأخلاق بصلة»، أليست هذه عبارات احد الزعماء العرب؟ ونعلم جيدا ان كثيراً من الزعماء العرب ظلوا صامتين عندما قضى اكثر من مليون ونصف المليون مسلم بين 1980-1988 في الحرب العراقية الإيرانية، في ذلك الوقت كان العرب والغرب في جانب الدكتاتور السني صدام حسين ضد النظام الشيعي الايراني، والآن يقاتل السوريون السنة السوريين الشيعة، وبعد ان ادرك العرب والغرب ان وجود النظام السوري سيقوي من وضع ايران، وقفوا الى جانب الشعب السوري الآن على الاقل.

اصبح الاسد منكوباً مثله مثل «ماكبيث» الشخصية المسرحية المشهورة، «فقد خاض في الدم وتوغل فيه، وان الرجوع الى الخلف مثله مثل التقدم للأمام».

 

روبرت فيسك - صحافي وكاتب بريطاني مهتم بالشرق الأوسط

تويتر