أحداث 11 من سبتمبر 2001 أفرزت قصصاً وأكاذيب زائفة عن الوطنية فـــــــــــــــــــــــــــــــــــــي الغرب. أ.ب ــ أرشيفية

فيسك: بعد 10 سنوات مازلنا نكذب بشأن 11/9

أتحدث عن المجلدات والمكتبات، وليس هذا فحسب، بل أيضاً عن قاعات الأدب التي افرزتها احداث الـ11 من سبتمبر ،2001 معظم تلك المادة مغلفة بالأكاذيب والادعاءات الزائفة عن الوطنية، وبعضها الآخر تفوح منه رائحة النتن والقصص الخرافية اليائسة التي حاكها جهاز الاستخبارات الاسرائيلي «الموساد» والأميركي «سي آي إيه»، وقليل منها صادر عن العالم الاسلامي، والذي يشير الى المتهمين بكلمة «أولاد». كل هذا الكم الهائل من هذه المادة تجاهل ببساطة ما يبحث عنه أي شرطي بعد حدوث جريمة ما في الشارع وهو «الدافع».

والآن وبعد 10 سنوات من الحرب وازهاق مئات الآلاف من الأرواح البريئة والتلفيقات والمداهنات والخيانة والتعذيب السادي، سمع الآن شبابنا في «إم أي 5» (جهاز الاستخبارات البريطاني)، هذه الامور، وربما قدروا هذه العواقب، من قبل الاميركيين و«طالبان»، لكن السؤال المهم هو: هل استطعنا ان نقنع انفسنا والعالم بمبررات مخاوفنا تلك؟ وهل لانزال نعجز عن البوح بتلك الجمل الثلاث: ان قتلة الـ11 من سبتمبر الـ19 يدعون بأنهم مسلمون، جاءوا من مكان يطلق عليه الشرق الاوسط، ما مبررات افعالهم تلك؟

أجج الناشرون الاميركيون الحرب في المرة الاولى عام ،2001 عندما نشروا مجلدات ضخمة من الصور التذكارية، وكانت العناوين شارحة لذاتها «فوق الارض المقدسة»، و«لكي يعيش الآخرون»، و«قوة القلب» و«ماذا شاهدنا» و«الجبهة الاخيرة» و«الغضب الإلهي» و«ظلال الكلمات» الخ. ومن يشاهد هذه الاكوام من المادة على واجهات محال بيع الصحف على طول اميركا وعرضها، يجزم بما لا يدع مجالا للشك بأن اميركا ذاهبة للحرب. وقبل غزو العراق عام 2003 بفترة طويلة كانت هناك اكوام من جنس المادة جاءت لتبرر تلك الحرب، ومن ابرزها الكتاب الذي ألفه الخبير والمحلل في الـ«سي آي ايه» كينث بولاك، تحت عنوان «الريح المنذرة»، ولماذا ننسى كتاب رئيس الوزراء السابق، ونستون تشرشل «الريح المتجمعة»، ويتضح لنا هنا وجه المقارنة بين المعركة المقبلة مع صدام حسين، وتلك الازمة التي واجهتها بريطانيا وفرنسا عام .1938

ويوضح كتاب بولاك، الذي وصفه المروجون لكتابه بأنه من اشهر خبراء شؤون العراق في العالم، ومن بين هؤلاء المروجون فريد زكريا، الذي قال عن الكتاب بأنه احد اهم الكتب في السياسة الخارجية الاميركية منذ سنوات، -يوضح - هدفين، الهدف الاول هو تسليط الضوء على اسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها صدام حسين، التي كما نعرف جميعا لا يوجد منها شيء، اما الهدف الثاني فيتمثل في اغتنام الفرصة المواتية لقطع الرابط بين مسألة العراق والصراع العربي ـ الاسرائيلي. ووفقاً لتلك الفرضية فإن الفلسطينيين عندما يتم حرمانهم من الدعم القوي الذي يقدمه لهم العراق، سيضعفون اكثر في صراعهم ضد الاحتلال الاسرائيلي.

وأشار بولاك الى الفلسطينيين بعبارة «مجموعة الارهابيين الاشرار»، لكن من دون ان يوجه الكتاب أي انتقاد لإسرائيل، وذكر بولاك تلك «الهجمات الاسبوعية التي يعقبها رد الفعل الاسرائيلي»، وهو نص الرواية الاسرائيلية لمثل هذه الاحداث نفسها، ويقول ان انحياز اميركا لإسرائيل انما هو «وهم» لا يصدقه سوى العرب. وعلى الاقل فقد استطاع بـولاك «الرديء»، ان يحيك بطريقة «قذرة» مقولة تجعل البعض يصدق بأن الصراع الاسرائيلي له علاقة بأحداث الـ11 من سبتمبر، حتى إن لم يكن لصدام حسين علاقة بتلك الاحداث.

وخلال تلك السنوات غرقنا بطوفان من ادبيات صدمة ما بعد الـ11 من سبتمبر ،2001 بدءا من كتاب لورانس رايت البليغ «البرج الماثل للانهيار»، الى «علماء حقائق 11/9»، والذي اخبرنا مؤيدوه بأن حطام الطائرة الموجود خارج مبنى وزارة الدفاع الاميركية (بنتاغون)، يبين أن مقاتلة من نوع سي - 130 أسقطتها، وان الطائرة التي اصطدمت بمركز التجارة العالمي موجهة عن بعد، وان الطائرة يونايتد 3 تم اسقاطها بصاروخ اميركي الخ. اضافة الى الروايات المكتومة الغبية وغير الامينة في بعض الاحيان، والتي يرويها البيت الابيض. ولا ننسى هنا اكاذيب وخدع اعضاء لجنة 11/9 الرسمية، ولا اندهش اذا كان ملايين الاميركيين يصدقون بعضا من ذلك، دعك عن الكذبة الحكومية الكبيرة بأن صدام خلف احداث 11/.9 وكرر مدير الـ«سي آي ايه» الجديد، ليون بانيتا هذه الاكاذيب نفسها في بغداد هذا العام.

كانت هناك أفلام أيضا عن تلك الاحداث، فقد صور فيلم «الرحلة رقم 93» ماذا كان سيحدث (او قد لا يحدث) على متن الطائرة التي سقطت في دغل بنسلفانيا، فيلم آخر يحكي قصة رومانسية عالية، والتي منعت سلطات نيويورك تصوير الفيلم في طرقات المدينة. والآن اصابنا طوفان آخر من المسلسلات والقصص التلفزيونية التي صدقت جميعها الاكاذيب التي قالت بان الـ11 من سبتمبر غيرت العالم ان قبول بوش ـ بلير هذه الفكرة الخطرة سمح لأعوانهم بالانغماس في غزوات مميتة وتعذيب قاس، دون ان يسألوا انفسهم ولو للحظة لماذا مضت الصحافة والتلفزيون على الطريق ذاته الذي سلكته تلك الفكرة.

والى الآن لم يذكر أي من هذه البرامج كلمة «اسرائيل»، حتى ان برنامج بريان لابنغ التلفزيوني ذكر يوم الخميس الماضي كلمة العراق مرة واحدة فقط، دون ان يشرح للمشاهدين مبررات جريمة غزو العراق عام ،2003 وكم عدد الذين ماتوا بسبب احداث 11/.9 (تقريبا 3000)، واعداد الذين ماتوا في حرب العراق، لا احد يهتم بذلك.

شد انتباهي كتاب انتوني سمرز و روبن سوان (اليوم الحادي عشر)، والذي ذكرا فيه ما رفض الغرب مواجهته خلال السنوات التي تلت احداث 11/،9 جميع الشواهد تشير الى ان الفلسطينيين كانوا العامل الذي وحد المتآمرين على كل المستويات، وان احد منظمي الهجمات اعتقد بأن مثل هذا الفعل من شأنه ان يجعل الاميركيين يشعرون بأن جميع الافعال الوحشية التي ترتكبها اميركا هي من اجل مساندة اسرائيل. ويقول المؤلفان إن فلسطين هي بالفعل الظلم السياسي الاساسي، الذي دفع هؤلاء الشباب العرب الذين كانوا يعيشون في هامبورغ.

يقول المؤلفان ان الدافع لتلك الهجمات قد تم اخفاؤه حتى من قبل التقرير الرسمي لأحداث 11/،9 واختلف اعضاء لجنة صياغة التقرير حول هذا الموضوع، وهي العبارة البديلة للمشكلة، وفيما ذكر اثنان من كبار اعضائها هما توماس كين ولي هاميلتون أن هذا الشأن حساس للغاية، وان اعضاء اللجنة الذين قالوا إن (القاعدة) تتحرك وفق ايديولوجية دينية، وليس بسبب السياسات الاميركية، رفضوا الاشارة الى الصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني» .

إذاً، ماذا حدث؟ يقول كل من سمرز وسوان، ان تقرير اللجنة «تمت صياغته بلغة غامضة استطاعت ان تتحايل على موضوع الدافع». هناك إشارات في التقرير الرسمي، لكنها مضمنة فقط في الحاشية التي لم يتنبه لها بالطبع الا قليل من قراء التقرير. وفي عبارة اخرى اننا لم نكشف جل الحقيقية عن الجريمة التي من المفترض ان نصدق أنها غيّرت العالم الى الابد، ولهذا فإنني لم افاجأ عندما شاهدت اوباما يركع امام نتنياهو في مايو الماضي، فعندما ينبطح الكونغرس الاميركي على الارض لرئيس الوزراء الاسرائيلي فإن الشعب الاميركي لن يحصل أبدا على الإجابة لأهم سؤال حساس عن مبررات احداث 11/.9

روبرت فيسك - كاتب وصحافي بريطاني مهتم بالشرق الأوسط

الأكثر مشاركة