عائلته ظنت أنه توفي ودفنت جثة مشوّهة لرجل آخر
عائد من سجون القذافي يبغض جلاديه ويرفض الانتقام
يبدو أن أسامة الجاردي الخارج من أحد سجون (الزعيم الليبي معمر القذافي)، له كل الحق كي يكره جلاديه، فهذا الرجل كان ميتاً في أذهان كل من يعرفونه، في الوقت الذي رجع فيه الى منزله قبل بضعة أيام، وجسمه مغطى بالجروح والرضوض والكدمات جراء التعذيب. الأدهى من كل ذلك انه كان هناك قبر له في بلدته زليتن يحمل اسمه، وأطلق اسمه على احد الشوارع في المدينة تكريماً لاستشهاده.
وكانت عائلته تفترض انه تم إعدامه بعد اختطافه من قبل مجموعة من قوات ميليشيا تابعة للقذافي قبل نحو اسبوعين. وقامت بدفن جثة مشوهة تماماً وغير معروفة المعالم لدرجة ان احدا لم يتمكن من معرفة صاحبها.
وقال صالح بن كايد، احد اصدقاء العائلة، «عثرنا على جثة بلا وجه، لرجل قتلته قوات القذافي واعتقدنا انه أسامة، لذلك قمنا بدفنها وأطلق اسمه على اسم شارع بالقرب من منزله. لكنه عاد حياً قبل بضعة أيام».
وكان من المفروض ان يكون اسامة (25 عاما) ميتاً، وبعد يومين من تعرضه للضرب من قبل مقاتلي القذافي في قاعدة عسكرية، تم نقله من زليتن الى طرابلس، كي يصبح واحداً ضمن 150 سجينا تم اطلاق النار عليهم وقتلهم في حظيرة، لكن الهجوم الذي شنه الثوار على ضاحية صلاح الدين قرب طرابلس الاسبوع الماضي، وقع فيه اسوأ المجازر التي تم توثيقها منذ بداية الثورة.
ونظراً إلى ان اسامة كان مختبئاً تحت كومة من الجثث، تمكن من الهرب مع شقيقه يوسف الذي يعاني جروحاً بليغة، والذي تم اعتقاله مرة ثانية ولايزال في عداد المفقودين. وعندما تمكن من العثور على منزله يوم الخميس بعد ان تعافى من جروح بصورة تمكنه من التنقل، عثر اسامة على والده الذي كان مخطوفا من قبل قوات القذافي، والذي كان في عداد المفقودين واعتبر ميتاً.
وبناء على ما عاناه أسامة، فإن الانتقام يعتبر رغبة طبيعية بالنسبة له، لكن نظرا الى أن قيادة الثورة الليبية تمكنت من السيطرة على معظم ليبيا، وهي تحاول توجيه البلاد نحو المصالحة، فإنه يقول ان الانتقام ليس من اولوياته الآن.
ويضيف اسامة وهو في منزله في زليتن ويتعافى من جروحه: «على الرغم من الاهوال التي تعرضنا لها، فإننا لسنا العصابات التي قال عنها القذافي».
ويقول بهدوء مشيرا الى رجل من زليتن: «عرفت بعضاً من الاشخاص الذين عذبوني. وكان هناك العديد من الموالين للقذافي بيننا. وقام احدهم بضربي حتى لم اعد أتمكن من المشي.
وعندما طلبت منه بعض الماء جعلني أسف التراب، وحبسوني في حاوية لوقت طويل، وكانت حارة جدا، لدرجة ان العديد من السجناء لقوا حتفهم داخلها من شدة الحر. وبعد ذلك وقعت المجزرة، لكن علينا ان نؤمن بالنظام القضائي لمحاكمة هؤلاء الاشخاص. وهو ما حاربنا من اجله، واذا لم ينجح ذلك، فإننا سننظر في الامر من جديد».
وستكون زليتن اختباراً لمستقبل جهود المصالحة في ليبيا. واستخدمت قوات القذافي هذه المدينة منصة لإطلاق هجماتها ضد المناطق التي كان يسيطر عليها الثوار، وكانوا يحصلون على الكثير من المتطوعين في صفوفهم، لكن الآن يبذل قادة الثوار جهودا حثيثة لمنع انفلات دائرة الانتقام.
ويقول نائب رئيس المجلس العسكري الذي يسيطر على المدينة الآن، عمر علي، «إن نحو 70٪ من سكان المدينة بقوا فيها خلال الحرب ودعموا القذافي، وعليه فإن منع انزلاق المجتمع نحو عمليات الانتقام واعمال التقتيل ضد بعضهم بعضاً مهمة تقع في قمة اولوياتنا». ويضيف «قمنا حتى الآن بالتحقيق مع ما بين 200 إلى 300 شخص من الموالين للقذافي، منذ تحرير زليتن، وأرسلنا بعضهم الى السجن، وأطلقنا سراح كثيرين، وصادرنا اكثر من 1000 قطعة سلاح من الشوارع خلال الأيام القليلة الماضية».
وضم القادة الدينيون المحليون جهودهم مع بعضهم بعضاً من اجل المصالحة، وركزت عظاتهم الدينية على التسامح، في حين تطوع الشبان من الثوار للقيام بأعمال التفتيش وسط زليتن، إذ يحضون السكان المحليين على التخلي عن الأسلحة.
ويقبع الجنرال الجيلاني في سجن الثوار في مصراتة وهو نفسه من زليتن، ويعتبر شخصية اساسية في تأليب العائلات ضد بعضها بعضاً في المدينة، ويعتبر الشخص الاكثر إثارة للرعب في زليتن، وكان نائب العقيد خميس القذافي، نجل الزعيم الليبي، ويقال انه المشرف على رسم سياسة «فرّق تسد»، التي دفعت الجيران الى قتال بعضهم بعضاً. ويقول طارق، شقيق اسامة: «في اليوم الذي اعتقلت فيه قوات القذافي والدي واثنين من أشقائي، اصبت بطلق ناري من احد الجيران، وكنت أطلق النار عليه من سطح المنزل، وهو يرد علي من ساحة منزله، وأنا اعرفه قبل سنوات طويلة من اندلاع الثورة، لديه عائلة جيدة، لكنهم يحبون القذافي».
من جهته يقول اسامة: «أنا لا أقول إنني لا أفكر في الانتقام، بالطبع انا أفكر فيه، لكن ما الجدوى من ذلك؟ ذلك الحارس الذي ضربني أعرفه جيدا، لقد قام بضرب وبتعذيب العديد منا في السجن، حتى لو عثرنا عليه فإننا لا نستطيع جميعا قتله والشعور بالرضا، الانتقام لن يخفف ما تعرضنا له».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news