الحرب على الإرهاب منحدر زلق أوصل سمعة أميركا إلى الحضيض
بوش بدّد التعاطف الـــدولي مع أحداث 11 سبتمبر في عامين
10 سنوات مضت، هي عبارة عن رمشة في عين التاريخ، ولاتزال هناك مساحة كافية لقياس مدى تأثير ذلك اليوم المخيف في أميركا، ذلك الحدث الذي لا ينساه أي شخص بالغ شهده في ذلك اليوم. بعد 10 سنوات علينا اعلان الطرف الرابح من الطرف الخاسر، وفي حالة 11 سبتمبر 2001 فإن كلا الطرفين خاسر بالتأكيد.
أكبر الخاسرين هو (زعيم تنظيم القاعدة) أسامة بن لادن، حيث ان التنظيم الذي اسسه لم يفقد رأسه، فحسب وانما هلك جله، اذ لا يمر اسبوع من دون القضاء على او اعتقال قائد كبير في تنظيم القاعدة، تعرضت «القاعدة» لاختراق أمنها بسبب الوثائق التي تمت مصادرتها خلال الهجوم للقضاء على بن لادن في باكستان. ففي هذه الذكرى العاشرة الاستثنائية لتلك الأحداث يبدو كأن لديه فرصاً شحيحة لترميم تنظيمه، كما تشير تلك الوثائق.
ايضا نجد ان استراتيجيته المتمثلة في تنصيب خلافة اسلامية جديدة تمتد من اندونيسيا الى اسبانيا، تبدو اكثر بعدا مما كانت عليه الحال قبل 10 سنوات، حتى ان انتفاضات «الربيع العربي» ضد طغاة الشرق الأوسط العلمانيين الذين يكرههم بن لادن لم تسر على هوى ايديولوجيته الضالة.
وتعكس تلك الاحتجاجات بشكل اكبر تطلع شعوب المنطقة للحصول على أبسط حقوق الحرية السياسية والاقتصادية اكثر من استجابتها لنداء 11سبتمبر الداعي الى ضرب الغرب المتفسخ والمتغطرس، وأكاد أجزم بأن بن لادن كان سيكون سعيداً الآن بأي حال من الأحوال لأنه خسر المعركة التي ابتدأها.
ولكن ماذا عن دفتر حسابات الطرف الآخر، بالطبع قد يدعي الزعماء الأميركيون، خلافاً لأي توقعات، أنه لم تحدث أي هجمات ارهابية على الأراضي الأميركية منذ تلك الأحداث، ونقول نعم لم يحدث ذلك، لا سيما أن المجموعة التي نفذت الهجمات على نيويورك وواشنطن قد تم تدميرها بالفعل، الا ان ذلك قد كلف أقوى دولة في العالم 10 سنوات لكي تتبع وتدمر اكثر اهدافها طلبا (بن لادن)، بيد أن الحركة (الإرهابية)، التي كان بن لادن مصدر إلهام لها، اصبحت مثل حيوان «الهايدرا»، فعندما يتم قطع رأسه في باكستان او افغانستان او اليمن، تنمو له رؤوس بديلة في اماكن اخرى من العالم.
وفي كثير من الأحوال فإن تلك السنوات العشر الماضية كانت عبارة عن قصص من الفشل والفرص المهدرة والدروس غير المستفاد منها.
ولنستعرض أولاً الفرص المهدرة، ففي الفترة التي تلت 11/9 تلقت الولايات المتحدة دعماً منقطع النظير وتعاطفا لا مثيل له منذ الحرب العالمية الثانية، ونشرت صحيفة «لوموند» الفرنسية عنواناً على صفحتها الأولى يقول «كلنا اميركيون الآن» متحدثة نيابة عن تلك الدولة التي لها حساسيات كثيرة مع أميركا اكثر من أي دولة اخرى.
وخلال عامين من الزمن تبدد ذلك التعاطف كلياً، واصبح (الرئيس الأميركي السابق) جورج بوش، ونائبه ديك تشيني، أقبح أميركيين ولدا على وجه الأرض والأكثر كرهاً في بلاد العرب وما وراءها.
استطاع (الرئيس الأميركي) باراك أوباما، أن يصلح الكثير من التلف الذي أصاب علاقة أميركا بحلفائها التقليديين، بيد ان سمعة أميركا في العالم الإسلامي ظلت متدهورة، على الرغم من اتخاذها موقفاً متساهلاً في الاطاحة (بالزعيم الليبي) معمر القذافي «كانت تقود من الخلف»، كما عبر عن ذلك احد مساعدي البيت الأبيض، الأمر الذي جلب على الرئيس السخرية، والغضب من خصومه الجمهوريين.
حتى ولو نحينا ليبيا جانباً، فإن اميركا انكسرت شوكتها في حربين بدولتين إسلاميتين اندلعتا نتيجة لأحداث 11 سبتمبر، حيث إن غزو افغانستان الذي حدث في أكتوبر عام ،2001 للإطاحة بحكومة حركة طالبان التي لم تأوِ فقط «القاعدة» وانما كانت جزءاً منها، كان مبرراً للغاية، على الرغم من ان بن لادن وعصبته تم طردهم بعد شهور عدة في معركة تورا بورا، ولكن لماذا استغرقت الأمور فترة اطول مما كان متوقعاً؟. الاجابة بالطبع موجودة في الأخطاء التي ارتكبتها ادارة بوش، لا سيما ذلك الخطأ الفادح الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة، وهو السياسة الخارجية ذات الاتجاه الواحد، المتمثلة في الحرب الاختيارية ضد العراق، التي لم تنجح سوى في تقوية مركز ايران العدو اللدود لأميركا في المنطقة.
ووفقاً لأحد التقديرات فإن الكلفة النهائية لحرب العراق وافغانستان قد تصل الى أربعة تريليونات دولار، وهو انفاق لا يمكن لزيادة الضرائب أن تغطيه كما هي الحال في جميع الحروب وإنما بالاستدانة، ولهذا السبب فإن احداث 11 سبتمبر قد أسهمت في الأزمة الاقتصادية الحالية، وساعدت على إيجاد هذا الجبل الشاهق من الديون التي تكبل يدي أوباما.
الاستدانة مستمرة، فأميركا لاتزال في العراق، وقد يستمر وجودها فيه لعقود قادمة، والشيء نفسه ينطبق على افغانستان، فعلى الرغم من مقتل بن لادن وتشتت افراد «القاعدة» بين دول عدة لا يوجد مبرر في وجود عشرات الآلاف من القوات الأميركية هناك بدعوى «مهمتها المستحيلة لبناء الأمة». افغانستان نفسها احتفلت بطريقتها الخاصة بالذكرى العاشرة لأحداث سبتمبر عندما تعرضت القوات الأميركية في اغسطس الماضي لأعنف هجوم مميت عليها.
ايضا هناك خطأ كبير أسهم في حربي أميركا الطويلتين، ويتمثل في «الحرب الدولية على الإرهاب»، ففي ذلك الوقت بدا صائبا قرار إدارة بوش القاضي بالتعامل مع احداث 11 سبتمبر عملاً من اعمال الحرب، فقد تعرضت البلاد لهجوم في عقر دارها لم يقدم عليه من قبل أي من (الزعيم النازي أدولف) هتلر او الاتحاد السوفييتي، بيد أن اعلان الحرب على الإرهاب كان المنحدر الزلق الذي أودى بسمعة اميركا الى الحضيض: اعمال التعذيب، سجن «أبوغريب»، التسفير القهري، معتقل غوانتانامو، عدم الاعتراف بصفة «المقاتل العدو» بالنسبة لمن تقاتلهم أميركا في حربها على الإرهاب، وفيما بعد ثبت أن معظمهم ابرياء، وكان على الإدارة ان تعد الهجوم عملاً إجرامياً على ان تتعامل معه المحاكم المدنية.
كانت احداث 11 سبتمبر فرصة لبوش لحل العقدة المستعصية المتمثلة في تأمين النفط والأمن اللذين شكلا تحدياً للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وذلك من خلال زيادة الضريبة على الوقود وتقليل الاعتماد على النفط المستورد بالبحث عن مصادر طاقة بديلة، لكنه لم يفعل شيئاً في هذا المجال، وبدلاً عن ذلك اخبر العالم: إما أن تكونوا معنا أو ضدنا. ان احداث 11 سبتمبر ليست السبب في اضمحلال أميركا، لكنها كانت مؤشراً جيدا إلى بدايات ذلك الاضمحلال.
روبرت كورنويل صحافي بريطاني
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news