واشنطن فشلت في الإبقاء على قواعد وجنود يتمتعون بالحصانة
هزيمة المشروع الأميركي في العراق
اعتبر إصرار السياسيين العراقيين على أن تخضع القوات الأميركية للقانون العراقي إذا ظلت على أراضيه هزيمة واضحة لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، وهزيمة اخرى منكرة لخطط المحافظين الجدد الذين غزوا العراق عام ،2003 ومازالوا يتغنون بأمجادهم في إسقاط حكم (الرئيس السابق) صدام حسين.
ويمكن القول نظرياً على الأقل إن غزو العراق انتهى بإعلان أوباما نهاية الحرب في العراق، وسحب جميع القوات الأميركية منه بحلول نهاية العام الجاري.
وقال أوباما إنه اتخذ قراره بالوفاء بوعده أثناء حملته الانتخابية لإنهاء الحرب في العراق على الرغم من انه كان يدعم جهود وزارة الدفاع «البنتاغون» لإبرام اتفاق مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، للحفاظ على قواعد أميركية وبضعة آلاف من الجنود لأجل غير مسمى، غير أن المحادثات بهذا الشأن انهارت بسبب إصرار نواب البرلمان العراقي من الكتلة الصدرية وغيرهم على أن تخضع القوات الأميركية للقانون العراقي إذا استمر وجودها في البلاد، وهو ما ترفضه واشنطن التي تصر على حصول جنودها على حصانة قانونية وترفض بشدة محاكمتهم أمام محاكم أجنبية.
ولقضية حصانة الجنود الأميركيين حساسية بالغة للغاية عند العراقيين، ولا سيما بعد مقتل العديد من المدنيين على أيدي هؤلاء الجنود الأميركيين وحالات عديدة منهم تمت بوحشية وبدم بارد، وأفلت مرتكبوها من العقاب في حال تمت محاكمتهم محاكمة شكلية ولم ينفذوا الأحكام المخففة الصادرة بحقهم.
ويمكن ان تضيف الى ذلك فضيحة سجن أبوغريب التي دوت آثارها في مختلف أرجاء المعمورة ودمرت صدقية الولايات المتحدة، وصورتها أمام العالم، بسبب الصور التي فضحت ما تعرض له المعتقلون العراقيون في ذلك السجن من تعذيب وسوء معاملة على أيدي المحققين والحراس والسجانين الاميركيين، الذين تجاوزوا تعليمات رؤسائهم في البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية الـ«سي آي إيه»، وليسجلوا بذلك انتهاكا اميركيا كبيرا وخطيرا لحقوق الانسان، ولاتفاقات جنيف بشأن حقوق السجناء والاسرى. ولعل واقع الحال في العراق منذ ثمانية أعوام يقول إن ما فجرته الولايات المتحدة في العراق من حمام للدم وأطلقت عنانه من عنف غير معقول يستهدف المدنيين وفتنة طائفية هو ما كان العرب يسعون جاهدين لتفاديه وليس لطلبه.
وقد غطت أخبار التطورات في ليبيا بعد مقتل (الزعيم الليبي الراحل) معمر القذافي على أخبار إعلان انسحاب القوات الاميركية كاملة من العراق بحلول 31 ديسمبر المقبل، وهو ما يعد بكل بساطة، هزيمة كلية لمشروع الرئيس الأميركي السابق جورج بوش في العراق وخطة المحافظين الجدد باستخدام الغزو لجعل العراق نموذجا مثاليا مستقرا ومزدهرا للديمقراطية على الطريقة الغربية، وتحويله إلى دولة موالية للغرب تضم قواعد أميركية دائمة بغرض زيادة الضغوط على سورية وإيران.
وبدلاً من نجاح المحافظين الجدد في تنفيذ خطة بوش التي أطاحت بصدام حسين فقد ساعدت تلك الخطة على توسيع النفوذ الايراني في العراق ليفوق النفوذ الاميركي بكثير، فهي وإن لم تسيطر على العراق اصبحت أكثر اطمئنانا إلى أنه لم تعد لديها أي مخاوف من جارتها العراق في الوقت الحالي وفي المستقبل المنظور، لأن أي حكومة عراقية ستضم اغلبية من الشيعة الذين قضى معظمهم سنوات طويلة في المنفى في إيران في عهد عدوها اللدود صدام حسين. وحينما بدأ ربيع الثورات العربية خرجت تظاهرات حاشدة للعراقيين في بغداد والبصرة ومناطق اخرى تندد بفساد حكومة المالكي وسياساتها التسلطية. كما استقبل المالكي خلال الصيف الماضي وفدين رسميين سوريين ورفض انتقاد قوات الشرطة والجيش التابعة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد لإطلاقها النار على المتظاهرين. ويتهم الجمهوريون اوباما بالاستسلام لإيران بالقبول بسحب جميع القوات الاميركية من العراق، لكن يمكن تفسير رد فعلهم هذا بإفلاس شعاراتهم منذ ايام بوش الابن الذي قدم خدمة استراتيجية كبيرة لإيران بمجرد غزوه العراق، وهو نفسه الذي وقع في الأسابيع الأخيرة قبل انتهاء رئاسته اتفاقاً يقضي بسحب القوات الاميركية كاملة من العراق مع نهاية .2011 وكان السيناتور الجمهوري جون ماكين على صواب حينما وصف اعلان أوباما بأنه انتصار استراتيجي لأعداء أميركا في الشرق الاوسط، خصوصاً ايران التي عملت بكل السبل وبلا كلل للوصول الى هذا الامر، لكن ماكين امتنع عن توجيه أي لوم الى بوش او حليفه رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير اللذين فتحا الباب ليكون إعلان اوباما عن الانسحاب الكامل أمرا ممكنا. ويمكن ان نستشف من مذكرات بوش وبلير انهما لم يستوعبا أي درس وأن سمعة كل منهما في التاريخ ستبقى مرتبطة بكارثة، لكن قادة أميركا وبريطانيا الحاليين استفادوا درساً من نجاح حلف شمال الاطلسي «الناتو» في ليبيا وهو إسدال الستار على ماض سيئ. وثمة درس آخر استوعبه قادة الغرب من غزو العراق، هو ان التدخل بإرسال قوات برية الى أية دولة مسلمة سيكون ضرباً من الجنون، وهذا يعني ضرورة ايجاد مخرج لسحب القوات الغربية من افغانستان التي يقول أوباما إنه يخوض فيها حرب «اضطرار وحاجة» على خلاف حرب العراق التي وصفها بأنها حرب «اختيار»، وتبقى هناك تساؤلات وشكوك كبيرة حول ما اذا كان أوباما سيقوم بسحب كامل للقوات الاميركية في افغانستان بحلول ،2014 او أنه سيبقي عليها الى ما بعد ذلك. واذا ارادت واشنطن الخروج من افغانستان في وقت مبكر وبأقل الخسائر فيجب عليها دعم المفاوضات لتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم حركة طالبان وبقية اطياف الشعب الافغاني باعتبار ذلك الطريقة الوحيدة لإنهاء الاقتتال بين الأفغان وتحقيق المصالحة الوطنية في ما بينهم، وتمهيد الطريق لانسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news