تركيا تقدم نفسها نموذجاً في ربيع الثورات العربية

أردوغان الأكثر شعبية في الشرق الأوسط. أ.ب

كانت السياسة الخارجية التركية إلى وقت قريب تهتم بمشكلة جزيرة قبرص المقسمة وكيفية الحفاظ على الجزء الخاضع لها، إضافة إلى مساعيها من أجل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. أما اليوم فيبدو أن أنقرة غيرت توجهها بالكامل، إذ بات رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، الشخصية الأكثر شعبية في الشرق الأوسط، وقد نجح المسؤولون الأتراك في إنجاز ما عجزت عنه الإدارة الأميركية.

فقد انحازت تركيا بشكل كامل إلى جانب الثورات العربية، في حين كان الأميركيون غائبين عن المشهد السياسي الذي يرتسم يوماً بعد يوم، أما الأوروبيون فلايزال موقفهم متذبذباً إلى حد كبير.

وتحاول أنقرة أن تقدم نظرة لما سيكون عليه مستقبل الوضع السياسي والاقتصادي في الدول التي نجح فيها تغيير الأنظمة. وفي ذلك يقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة اسطنبول بيلجي، سولي أوزل «تركيا هي الدولة الوحيد التي تدرك أين تتجه الأمور، والريح تجري في اتجاه مواتٍ لها».

استقطبت تركيا اهتمام الكثيرين، خصوصاً بعد زيارة أردوغان للبلدان الثلاثة التي نجحت في الإطاحة بحكامها (مصر وتونس وليبيا). وحتى خصوم الرجل اهتموا كثيراً بهذه الزيارة الرمزية، ورغم بعض الانتقادات التي توجه إلى رئيس الوزراء بأنه يميل إلى «السلطوية» في إدارة شؤون البلاد، إلا أنه يفتخر بأنه القائد المسلم الوحيد الذي يقود بلداً ديمقراطياً ومزدهراً، الأمر الذي يصب في مصلحة الثورات العربية والحقوق الفلسطينية.

ووصفت صحيفة مؤيدة لأردوغان الزيارات بأنها «بداية مرحلة جديدة في المنطقة»، كما أثنى كاتب عمود في صحيفة مصرية على «ميزات القيادة» التي يتحلى بها أردوغان.

وبعد أيام من الجولة التاريخية للزعيم التركي تحدث وزير خارجيته داوود أوغلو، عن محور يضم مصر وتركيا، وهما البلدان الأكثر كثافة سكانية، والأقوى من الناحية العسكرية في المنطقة، الأمر الذي يدعم قيام نظام إقليمي جديد، تكون فيه إسرائيل على الهامش، حتى تتوصل إلى سلام شامل مع جيرانها. وفي ذلك قال مسؤول رفيع في أنقرة «ما يحدث في الشرق الأوسط يُعد فرصة كبيرة وذهبية».

وبعد عقود من الازدراء وتحالف استراتيجي مع تل أبيب في التسعينات، وتوطيد العلاقات الاقتصادية مع نظام العقيد القذافي في ليبيا، ونظام بشار الأسد في سورية، حيث كان أكثر من 25 ألف عامل تركي يعمل في البلدين، ها هي أنقرة تعيد حساباتها السياسية والاقتصادية، ويتعين عليها الآن إيجاد فرص عمل جديدة لآلاف الأتراك في المنطقة.

يذكر أن تركيا عارضت التدخل الأجنبي في ليبيا، كما أن دعوتها للرئيس المصري المخلوع حسني مبارك بالتنحي، لم تلق ترحيباً كبيراً في الأوساط المصرية حينها، حيث كانت القاهرة تراقب تنامي الدور التركي في المنطقة بقلق، أما مصر بعد الثورة فقد رحبت برئيس الوزراء، واستقبل استقبالاً رسمياً وشعبياً حاشداً. وفي ذلك يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة سبانسي في اسطنبول، «انهارت السياسة القديمة، والوضع الراهن يتطلب سياسة جديدة في الشرق الأوسط».

يقود أوغلو السياسة الخارجية، ويقال انه مهندس السياسة الجديدة التي ستنتهجها أنقرة مستًقبلا، وقال إن بلاده ستساند الثورات العربية، بما في ذلك تلك التي اندلعت في سورية، التي تعد تحدياً كبيراً بالنسبة لتركيا. وأكد الوزير أن اقتصاد تركيا القوي سيساعد في دعم الحكومات الجديدة.

يذكر أن صادرات أنقرة تضاعفت ثلاث مرات تقريباً منذ مجيء حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في .2002

ولن يقتصر التعاون التركي مع جيرانه العرب على المجالين السياسي والاقتصادي، بل انه سيتوسع ليشمل التنسيق والتعاون العسكري.

وتبدو هذه النظرة طموحة إلى حد كبير، إلا أن الوصفة التي قدمها الوزير والتي تقتضي «انعدام المشاكل» بين الجيران، تتناقض مع الحقائق الصعبة التي يعيشها الشرق الأوسط. وتواجه أنقرة مشكلات بسبب الخلاف حول استغلال الغاز قبالة جزيرة قبرص، في المنطقة بين الشطرين اليوناني والتركي، في حين تشهد العلاقات التركية الإسرائيلية تدهوراً غير مسبوق بسبب حادثة الهجوم على أسطول الحرية الذي كان متوجهاً إلى قطاع غزة المحاصر، ومقتل تسعة ناشطين أتراك، العام الماضي، كانوا على متن السفينة على يد جنود إسرائيليين.

وترفض تل أبيب إلى الآن تقديم اعتذار رسمي، الأمر الذي تعده أنقرة أساسياً من أجل عودة العلاقات إلى طبيعتها، أما إيران، على الحدود الشرقية، فهي مستاءة جداً لسماح تركيا بإقامة رادار أميركي على أراضيها، كجزء من نظام الدفاع الصاروخي لحلف شمال الأطلسي، في حين وصلت الأمور بين أنقرة ودمشق إلى طريق مسدود.

بات تنامي القوة والنفوذ التركي في الشرق الأوسط مسألة متداولة محلياً في هذه الأيام، وتكاد تصل إلى الغلو في الوطنية عند بعض الأحزاب والمفكرين، ويبدو أن هذه المسألة الوطنية عند الأتراك قد اختلطت بالعاطفة والحنين إلى الماضي، فكثير منهم يؤيدون عودة بلادهم إلى العالم العربي، الذي كان تحت حكمهم أكثر من أربعة قرون.

ويقول نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في حزب العدالة والتنمية، سوات كينكليوغول «نحن لسنا هناك لإعادة بناء الامبراطورية العثمانية، لكننا نحاول ممارسة أقصى نفوذ نمتلكه في منطقة تتقبل قيادتنا».

وحتى أولئك الذين يهاجمون سياسات أردوغان، يعترفون بأن الرجل يعد ظاهرة، على المستويين المحلي والدولي.

وعلى النقيض من الحكام العاجزين والخاضعين للإملاءات الأميركية والإسرائيلية، فرئيس الوزراء التركي يبدو مستقلاً وقوياً. ويقول كاتب العمود التركي، سنجيس ساندار، ان لدى أردوغان حدساً سياسياً يقول له - بغض النظر عن العواطف - إنك في المسار الصحيح، وما دمت تتبع هذه الخطوات فإن تركيا ستعزز مكانتها لتكون قوة إقليمية، أكثر فأكثر، وستكون لاعباً على المسرح الدولي.

تويتر