رسالة من كاتب سنغافوري إلى نتنياهو:
الوقت لم يعد في صالح إسرائيل
لم يعد الوقت في صالح إسرائيل، إذ إن القوى الجيوبوليتيكية (أي المالكة لعناصر الجغرافيا السياسية)، تتحرك ضدها بعنف، والواقع يقول انه لا يمكن لدولة، حتى ولو كانت صغيرة في حجمها، ان ترتكب خطأ فادحاً بوضعها جميع البيض في سلة واحدة، حتى ولو كانت تلك السلة في قوة الولايات المتحدة، فعلى الرغم من نفوذ الأخيرة الواسع لن تستطيع اسرائيل تغيير المد الجيوبوليتيكي المتغير باستمرار، فقد وصلت اميركا الى ذروة قوتها، ولن ينكمش اقتصادها خلال فترة مطلقة، وانما سينكمش خلال فترة نسبية سيحدث هذا بشكل طبيعي لكن بتدرج، فالازمات الاقتصادية المتتابعة ستعجل من اضمحلال النفوذ الاميركي، وستعمل الموازنات المتقلصة على الحد من نفقات الدفاعية والمساعدات، وان أي عملاق اقتصادي كسيح لا يستطيع إرسال ملاحيه الفضائيين الى الفضاء الخارجي سيفقد سحره، ولن تترد الدول بعد ذلك على التصويت ضد الرغبات الاميركية.
وهذا ما حدث مع التصويت بشأن منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) في الـ31 من اكتوبر الماضي، فقد نقلت وكالات الانباء بدقة ان 107 بلدان صوتت لصالح السماح لفلسطين بالانضمام للمنظمة، بينما صوتت 14 دولة ضد ذلك المقترح، لكن ما فشلت في نقله تلك الوكالات هو ان تلك الدول الـ107 تمثل 77.5٪ من سكان العالم، بينما تمثل الـ14 دولة نسبة الـ7.3٪ المتبقية.
الآباء الروحيون الذين اعلنوا استقلال اميركا نادوا بـ«الاحترام الامثل لآراء البشرية»، بينما يعكس اقدام اميركا على تجميد مساهمتها السنوية في (اليونيسكو) احتقارها لتلك الآراء. وليس هناك من شك في ان رأي البشرية سيتجه حتما لإنصاف القضية الفلسطينية، فقد سئم العالم العناد الاسرائيلي بشأن حل الدولتين. كما سئم من مواصلتها تشييد المستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية.
بعض الدول الغربية صوتت لإسرائيل، إلا ان رعاياها يتعاطفون باستمرار مع الفلسطينيين، والعالم يعلم جيدا انه في الوقت الذي يحب فيه الاميركيون والاوروبيون التشدق بـ« قول الحقيقة»، فإنهم يظهرون جبناً واضحاً حيال القضية الفلسطينية ـ الاسرائيلية، وهذا الجبن يشكل في الوقت الراهن اكبر المهددات للوجود الاسرائيلي. القليل من اصدقاء اسرائيل يملكون الشجاعة اللازمة لينصحوها بأن الوقت لم يعد في صالحها، بسبب التدهور التدريجي للقوة الاميركية، ولان اوروبا لم تعد ذات جدوى لإسرائيل، وفي السياق ذاته تتزايد قوة العالم الاسلامي يوما بعد يوم ويتنامى نفوذه على الرغم من التحديات الكثيرة التي تقف في طريقه. ومما لا شك فيه ان اعتداد تركيا بنفسها، لاسيما في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، دليل على النظام العالمي الجديد الذي بدأ في البزوغ.
الثورات الديمقراطية التي شبت في تونس ومصر وضعت حداً لحكم الطغاة المساندين لإسرائيل، وان القادة المستقبليين لهذه الدول عليهم مراعاة شعور شعوبهم، فليس من المتوقع ان تفرض أي حكومة مستقبلية مصرية حظرا على حركة المقاومة الاسلامية (حماس)، كما فعل من قبل الرئيس المصري السابق حسني مبارك، وستزداد حدة الخطاب المعادي لإسرائيل. وفي المملكة العربية السعودية حذر الامير تركي الفيصل من انه في الوقت الذي «يموج فيه العالم العربي بالثورات، فإن معظم العرب والمسلمين، الذين ينادون بإنصاف الفلسطينيين، سيعتبرون العلاقة بين المملكة العربية السعودية واميركا اكثر سمية».
وعلى المليارات الخمسة من سكان العالم من غير الاميركيين وغير المسلمين ان يختاروا بين مساندة اسرائيل او التصويت ضدها. ومن الاهمية بمكان ان العدالة تميل لمصلحة منح الشعب الفلسطيني الحق في الحصول على الحقوق التي يتمتع بها بقية سكان العالم وهي: تشكيل دولته الخاصة به.
لن يستطيع الكونغرس الاميركي ولا الترسانة النووية الاسرائيلية ان تحميا الدولة العبرية عندما يميل ميزان القوى الجيوبوليتيكية ضدها، ومن المحتمل ان تعمل اسرائيل على التعجيل في اختلال هذا التوازن اذا ما هاجمت ايران من طرف واحد. ولا يستطيع احد ان يتوقع العواقب التي ستتمخض عن عزلة دولية كاملة لإسرائيل، ولن تكون الصورة في جميع الاحوال مشرقة، لذلك على اصدقاء اسرائيل العمل بسرعة وان يرسلوا رسالة قصيرة عاجلة تقول: «عزيزي رئيس الوزراء ان الوقت لم يعد في صالح اسرائيل، ونرجو منك العمل بسرعة لتنفيذ حل الدولتين الذي اقترحه الرئيس السابق بيل كلينتون في يناير 2001».
رئيس خارجية اسرائيل السابق ابا ايبان قال ذات مرة «ان الفلسطينيين لم يفوتوا ابدا فرصة لإهدار الفرصة». هذا الأمر ينطبق بحذافيره الآن على اسرائيل.
كيشور مهبوباني مدير مدرسة «لي كوان يو» للسياسة العامة بجامعة سنغافورة الوطنية
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news