الحرب على إيـران تعقـّد الوضـع فـي الشرق الأوسط
التحدي الإيراني للنظام العالمي صار من بين أعقد وأحرج المهام الدبلوماسية العالمية منذ اندلاع الثورة الاسلامية في إيران عام .1979 ويسعى هذا النظام الذي تتآكل شرعيته الداخلية باستمرار إلى تفريغ مشاعر السخط الشعبي في الأعداء الخارجيين سواء كانوا حقيقيين أو افتراضيين، والتمسك بالسلطة بأي طريقة ممكنة، وحيث إن النظام اصابه الارباك وعقدت لسانه المفاجأة جراء الانتفاضات العربية مثله مثل أي دول أخرى، حاولت طهران التجاوب مع رمال الجغرافيا السياسية المتحركة وسط صراع حامي الوطيس داخل القيادة الايرانية نفسها.
ويهدد التصعيد الذي أفرزته الأزمة النووية الايرانية باتخاذ الحرب مخرجاً بدلاً من الاسلوب الدبلوماسي، كاستجابة غربية للتهديدات الايرانية. ويكشف التقرير الاخير لوكالة الطاقة الذرية عن برنامج إيران النووي، والجدل الشعبي في اسرائيل بشأن الحكمة من وراء توجيه ضربة عسكرية لإيران، والتفكير في افضل النوافذ لتنفيذ هذه الضربة، والعواقب الخطرة التي افرزها اقتحام السفارة البريطانية في طهران والتهجم على طاقمها، كل ذلك من شأنه ان يسهم في تعميق هوة عدم الثقة بالنظام الايراني الى مستويات جديدة وخطرة.
إننا نتفق مع ذلك الرأي الذي يقول بأن ثمن التعامل مع ايران المسلحة نوويا سيكون عاليا جدا بشكل غير مقبول، إذ سيساعد البرنامج النووي إيران على مضاعفة قدرتها على زعزعة الاستقرار الاقليمي، كما ان ردود الفعل من المملكة السعودية وتركيا والدول الأخرى الاقليمية بشأن سعيها الى بناء قدرات نووية سيعني موت اتفاقية عدم انتشار الاسلحة النووية، وسيزداد بالتالي احتمال استخدام السلاح النووي في المنطقة.
ولكننا لا نجادل هنا بشأن اتخاذ عمل عسكري في الوقت الراهن او في ،2012 ولا نتحدث ايضا عن ضربة عسكرية منفردة او ضربة سرية، إذ ان المنشآت النووية الايرانية المعلن عنها كثيرة للغاية، كما لا يعدم النظام الإيراني الذخيرة التي يرد بها أو الاهداف التي سيضربها في حال الهجوم على منشآته النووية. فبالإضافة الى مستودعات صواريخها استثمرت ايران أيضا في انشاء جيش إقليمي لها يعمل بالوكالة مثل «حزب الله». وتعكس جميع الاحتمالات الحربية ان هناك أهدافاً متعددة مثل السعودية ودو ل خليجية واسرائيل والمنشآت الاميركية ومضيق هرمز.
لكل هذه الاسباب علينا ان نتفادى أي عمل عسكري، وان ندع الدبلوماسية تأخذ بقياد الامور لمنع أي حرب كبرى مع ايران. ونشير هنا الى ان النظام يواجه اربعة تحديات كبيرة على الاقل، منها ان العقوبات والحرب الالكترونية والعمليات السرية قد أعاقت قدرته على احراز أي تقدم للحصول على سلاح نووي، مع ان التقديرات تتفق على ان أمام ايران عامين على الأقل للحصول عليه. التحدي الثاني هو استمرار مفتشي وكالة الطاقة النووية في مراقبة المنشآت والعمليات الحيوية، مشكلين بذلك سياجاً من شأنه استشعار أي تغير دراماتيكي في السياسة او الممارسة من قبل طهران.
ومن أخطر الامور ان يترتب على اجتياح السفارة البريطانية مضايقة او طرد هؤلاء المفتشين من قبل النظام.
هناك شيء آخر يتجسد في انحسار النفوذ الايراني الاقليمي رويداً رويداً، حيث يواجه النظام السوري، حليفه الوحيد في العالم العربي، ظروفاً صعبة ويسير الى زوال، وانحسرت شعبية ايران في العالم العربي منذ حرب لبنان .2006
ينبغي أيضاً ألا ننسى طموحات الشعب الايراني، فكثيراً ما عكس الشعب الايراني أنه لا يشارك النظام كراهيته للعالم، وانه يتطلع الى نوع من الحكم المنفتح الذي يسعى إليه شباب العالم العربي.
وفي هذا الوقت بالذات، فإن الدفع الدبلوماسي والابتكار مطلوبان أكثر من أي وقت مضى، وحان الوقت لكي ندعم بشكل مباشر أو غير مباشر الضغوط على النظام. وفي هذا السياق فإن الحديث عن الحرب سيضعف قبضتنا وتضامننا، وسيقوي من القوى المتنفذة داخل ايران، وسيعمل على تآكل المعارضة الدولية لبرنامج إيران النووي.
ديفيد مليباند - وزير خارجية بريطاني سابق
نادر موساوي - المساعد الخاص السابق للأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي عنان
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news