مخاوف من تأجيج الحرب الطائفية في العراق بعد الانسحاب الأميركـي
مع اقتراب موعد استكمال القوات الأميركية الانسحاب من العراق خلال الأيام القليلة المقبلة، ينظر العراقيون بقلق متزايد الى الأحداث الجارية في الدول المجاورة لبلدهم وما ستؤول إليه.
ورغم أن الأوضاع في العاصمة العراقية حاليا أفضل بكثير من السنوات السابقة، إذ يتذكّر أهل بغداد سنوات العنف الطائفي بين عامي 2003 و،2009 لكن مخاوف من عودة تلك الاوقات مازالت حاضرة بقوة لدى الكثير من العراقيين.
وتبدو العاصمة بغداد حالياً أفضل حالاً مقارنة مع السنوات السابقة، إذ تراجعت نقاط التفتيش كثيراً، وبالتالي أصبحت حركة السير افضل والمتاجر تفتح حتى وقت متأخر من المساء، والكهرباء متوافرة نحو سبع ساعات يومياً، كما أن الطرق بين بغداد والنجف والبصرة والموصل آمنة نسبياً، ومن ثم بات من الواضح معرفة الانتماء الطائفي للأشخاص الذين يسيطرون هذه الأيام على شؤون بغداد، وبالتالي على شؤون العراق، فجميع نقاط التفتيش بين المطار والمنطقة الخضراء في العاصمة تزينها الرايات السوداء والملصقات الخاصة بعاشوراء، حتى المطاعم والنوادي في شارع «أبونواس» علقت على مداخلها صورة كبيرة للإمام الحسين.
وقد هاجر نصف سكان العاصمة مناطق سكناهم خلال عامي 2006 و،2007 وتمركزوا في مناطق جديدة جنوب بغداد وغربها، رغم أن حكومة ائتلافية تحكم العراق نظرياً، لكن الواقع يشير إلى ان الشيعة يسيطرون على مقاليد الأمور، فهم يمثلون 78٪ من عناصر ومسؤولي وزارة الداخلية، و90٪ من كوادر ومنتسبي وزارة الدفاع.
ولا يخفي العراقيون مخاوفهم مما قد يحمله قادم الأيام، إذ يقول رجل أعمال من بغداد «نشعر بالخوف مما يجري في سورية وانعكاساته على بلدنا، وكذلك نحن خائفون من المستقبل، ونزيد من وارداتنا للشهرين المقبلين».
ويعود قسم كبير من أسباب العصبية الواضحة للعراقيين، الى ما يحملونه من ذكريات عما حدث بين عامي 2003 و،2009 لاسيما عمليات القتل ذبحاً كالخراف على اساس الهوية المذهبية. ولم يتم نسيان تلك المخاوف وأسباب اندلاع النزاع الطائفي تماماً، لكن صحافية عراقية تقول «لقد تراجعت عمليات القتل الطائفي بسبب وجود مناطق مختلطة تضم السنة والشيعة معاً، لاسيما في بغداد».
وثمة تساؤلات تطرح نفسها مثل: هل تندلع حرب اهلية مجدداً؟ وما مدى ضعف الحكومة الائتلافية الحالية في العراق برئاسة نوري المالكي؟
ويقول العضو الكردي المستقل في البرلمان العراقي الدكتور محمود عثمان، «يتصرف القادة العراقيون كأنهم خصوم حتى ولو كانوا في حكومة واحدة، ومن الأفضل وجود حكومة ومعارضة حقيقية، لكن لا احد في العراق يشعر بما يكفي من الأمن والأمان ليكون في صفوف المعارضة».
ورغم المزاج القلق والمتوتر لدى العراقيين، إلا ان بغداد أصبحت اقل خطورة مما كانت عليه عام ،2009 وبالتاكيد هي افضل بكثير مما كانت عليه عام ،2007 حينما كان يتم اكتشاف اكثر من 1000 جثة في تلك المدينة كل شهر. فقد زاد عدد المتاجر التي تم افتتاحها، وأصبحت تفتح ابوابها لساعات اطول، وكان معدل توافر الكهرباء في الصيف الماضي من 5-7 ساعات يومياً رغم انه كان فصلاً سيئاً بامتياز.
وقد اختفى عقد المقارنات بين أوقات العنف، وأدى انفجار سيارة على بعد نحو 200 ياردة من فندق الرشيد في المنطقة الخضراء الى مقتل شخص وإصابةآخرين. ثم تلا ذلك بساعات تفجير قنبلة في محاولة لاغتيال المالكي، وسبقه انفجار سيارة عند بوابات مدخل سجن «تاجي»، شمال بغداد ما أوقع 18 قتيلاً.
وقال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري «كان التفجير الأخير يضم 2.5 كغم من المتفجرات، بينما استهدف تفجير كبير وضخم عام 2009 مقر وزارة الخارجية، استخدم فيه 2.5 طن من المتفجرات، ولا يحتاج الأمر الى كبير جهد لمعرفة من يسيطر على زمام الأمور في بغداد وضواحيها»، ومازال جنود الجيش وافراد الشرطة عند الحواجز ونقاط التفتيش يستخدمون مزيل الصواعق من القنابل التي لم تعد ذات قيمة أو أهمية.
باتريك كوكبرن - كاتب ومحلل في «الإندبندنت»