العقوبات الأوروبية ضد نظام الأسد فاشلة
أدت الأزمة السياسية والإنسانية في سورية إلى مقتل أكثر من 3500 شخص، واشعلت موجة من ردود الفعل العالمية الغاضبة، وتبع ذلك تجميد تركيا أصولاً وخطوط اعتماد خاصة بسورية، وتبعه تعليق الجامعة العربية عضوية الأخيرة وفرضها عقوبات ذكية عليها تستهدف قطاعات تجارية معينة.
إلا أن هذه التحركات جاءت بعد فترة طويلة من اتخاذ أوروبا بعض التدابير المخففة، فبعد أن تصاعدت وتيرة العنف في سورية في وقت مبكر من مايو الماضي من هذا العام، فرض الاتحاد الاوربي- مدعوماً بفرنسا وبريطانيا وألمانيا وعدد من دول شمال أوروبا- ما يوصف بالعقوبات الاقتصادية الخفيفة، تتمثل في فرض قيود على القيادة السورية، من ضمنها منع سفر المسؤولين الحكوميين من الرتب الدنيا.
واستثنى الاتحاد الاوروبي الرئيس الأسد من تلك العقوبات من اجل الحفاظ على علاقته معه، لكن في نهاية الشهر نفسه شملت القائمة الأسد وعناصر اقتصادية وامنية مهمة في القيادة السورية، وعلى الرغم من ذلك كان الاتحاد الاوروبي حريصا على تفادي أي آثار إنسانية سلبية قد تتمخض عن استهدافه لاعبين أقوياء في نظام الأسد.
وقبل فترة قصيرة ألقى المسؤولون الأوروبيون بمخاوفهم وراء ظهورهم ومضوا قدماً نحو عقوبات ثقيلة، أو بالأحرى شاملة، وبنهاية اغسطس قرر الاتحاد الاوروبي حظر استيراد النفط الخام من سورية، وحذت الولايات المتحدة حذوه، بيد أن قرار الحظر الاوروبي كان اكثر إيلاماً طالما ان دول الاتحاد تستورد 95٪ من النفط الذي تصدره سورية.
وكان تأثير ذلك واضحاً على سورية، إذ يقدر ما تخسره سورية من إيرادات في هذا الخصوص بما يصل الى 450 مليون دولار في اليوم الواحد، كما فرض الاتحاد ايضا حظراً على التنقيب عن النفط في سورية وعلى سك عملتها وطباعة اوراقها النقدية في دول الاتحاد الاوروبي، ووضع الاتحاد في قائمته السوداء شركة الهاتف السوري الوطني (سورياتيل»، وآخر خطوة كانت تجميد الاتحاد الاوروبي حسابات مرتبطة بالبنك التجاري السوري، الذي يُعد البوابة التي تمر عبرها بعض اهم خطوط الائتمان الى دمشق.
ويجادل الاتحاد الاوروبي بأنه يريد وضع حد للقمع الوحشي الذي يمارسه نظام الاسد على المحتجين، وإجباره على اطلاق السجناء السياسيين، والسماح للمنظمات غير الحكومية ووسائل الاعلام بالدخول الى الدولة، واطلاق حوار وطني شامل واصيل.
إلا اأن تلك العقوبات قد تم فرضها مع قليل من الاهتمام بآثارها المدمرة على الشعب السوري، وهو الشعب الذي يريد الاتحاد الاوروبي مساعدته.
عواقب
تُعد العقوبات الشاملة اأمراً غير محمود العواقب منذ أن فشل الحظر الذي فرضته الامم المتحدة على العراق عام ،1991 وهو ذلك الحظر الذي فرض قيوداً على أي تعاملات تجارية مع العراق، وافضى بالتالي الى وفاة ما يصل الى 500 الف طفل، وادى الى قطع العراق نهائيا عن الاسواق الدولية، ومنع البلاد من الحصول على الادوية والطعام والمواد الاساسية للحفاظ على البنية التحتية للبلاد، وبدلاً من ان تستهدف تلك العقوبات النظام مباشرة فإنها استهدفت الشعب، ودمرت الاقتصاد.
وبالطبع، ففي الحال العراقية حققت العقوبات النزر اليسير من الناحية السياسية، فعلى الرغم من الآثار الاقتصادية المدمرة ظل صدام حسين في السلطة، لان العقوبات الاقتصادية اهوت بسيفها على رؤوس الضعفاء بدلا عن قيادة البلاد.
هل ينطبق ذلك على سورية؟
يمكننا بيان ذلك في النقاط التالية: أولا أن أفراد الطبقة المتوسطة في سورية الذين يعملون في قطاع النفط أو الذين يعتمدون على الرعاية الاجتماعية الحكومية سيدفعون بالتأكيد ثمن العقوبات المفروضة على الحكومة. ثانياً لا تفرق سياسة العقوبات بين الذين يؤيدون الأسد والذين يضحون بحياتهم من اجل إزاحته. ثالثاً أن هذه العقوبات ستوفر للنظام (الاعلام الحكومي) الذخيرة السياسية اللازمة لإلقاء اللوم على الغرب الذي تسبب في عزلة البلاد وخرّب اقتصادها. رابعاً ان السعي إلى فرض عقوبات صارمة سيجعل سورية تبحث عن شركاء اقتصاديين آخرين من بين الدول التي تغض الطرف عن انتهاكات حقوق الانسان.
قوة ودقة
وعليه ينبغي ان يعيد الاتحاد الاوروبي صياغة عقوباته الاقتصادية لتصبح عقوبات «مستهدفة»، (بكسر الدال)، ويستطيع بشيء من القوة والدقة أن يمضي خلف صناع القرار السوري والكيانات غير الحكومية التي تؤدي إجراءاتها مباشرة الى ازدياد وتيرة العنف، وربما يكون المردود بطيئاً، إلا انه في جميع الاحوال افضل كثيراً من استهداف جل الاقتصاد السوري وبالتالي جل الشعب، ولهذا فإن العقوبات الشاملة لن تزيح الأسد.
وعلى سبيل المثال يمكن ان يستهدف الاتحاد الاوروبي الافراد الذين يدعمون بقاء الأسد على رأس السلطة، مثل كبار الاعضاء في حزب البعث السوري ومجلس الشعب، وتتضمن العقوبات تجميد اموالهم في الخارج، وحظر تعاملاتهم المالية، ومصادرة ممتلكاتهم في الخارج، وحظر سفرهم، ويمكن للاتحاد ايضا حظر سلع الرفاهية. مثل هذه العقوبات قد برهنت على فعاليتها على النظام الزمبابوي في اوائل ،2002 إذ تبنى الاتحاد الاوروبي عقوبات على اعضاء القيادة في النظام الزمبابوي، بمن فيهم اعضاء حزب زانو الحاكم، وتأثر بعض اعضاء النظام مباشرة بسبب تلك العقوبات. وفرض الاتحاد الاوروبي عقوبات من قبل على عدد من القنوات السورية الاعلامية، لكن يكمن فعل الكثير، مثل استهداف ملاك القنوات والصحف التي تراقبها الحكومة، واعضاء السلك القضائي المتعاونين مع الحكومة. ومثل هذه العقوبات الذكية آتت اكلها بالفعل على النظام الايراني، حيث لا يستطيع النظام الايراني الحصول على انواع محددة من التكنولوجيا التي تساعده على تطوير برنامجه النووي، هذا مع عدم تأثير مثل هذه العقوبات في القطاعات الشعبية العريضة.
ليست هذه هي المرة الاولى التي يخطئ فيها الاتحاد الاوروبي بشأن العقوبات، فقد استهدفت من قبل موانئ ابيدجان وسان بيدرو خلال فرضها عقوبات على سيراليون، والتي هي خنق لكل البلاد.
ولكي تنجح مثل هذه العقوبات على سورية ينبغي ان تتضمن حوافز للسلوك الجيد، مثل ان تتاح للأسد فرصة للخروج عن هذه الازمة، او إغراء أي نظام ديمقراطي بحزمة من الحوافز الاقتصادية، وهناك وقت كافٍ لتعديل الخطوات الاوروبية قبل ان تصبح ذات اثر مدمر على الشعب السوري.
مايكل اريكسون وفرانسيسكو جيوميلي :
_ مؤلف كتاب استهداف السلام: فهم العقوبات المستهدفة للاتحاد الاوربي والامم المتحدة.
_ مؤلف كتاب، الاكراه والاعاقة والاشارة: شرح عقوبات الامم المتحدة والاتحاد الاوربي بعد الحرب الباردة