الجيش والرئاسة ضمانتان لعدم تحوّل مصر إلى «دولة دينية»
صعود « الإخوان » مرجعه خدماتهم الاجتماعية وميل المصريين إلى المحافظة
حينما كتبت قبل أيام على موقع «تويتر» عن «الإخوان المسلمين»، وقلت إنني تناولت طعام العشاء على مائدتهم، رد علي بعض أنصاري بتحذيري بشأن سلامتي الشخصية.
وبصراحة لا يخفي كثير من الغربيين، وبعض الليبراليين المصريين، قلقهم، من صعود «الاخوان المسلمين» و«السلفيين» بشكل عام، في الانتخابات التشريعية. وحتى أفهم اسباب فوزهم بنحو ثلثي الاصوات توجهت بسيارتي الى مدينة الاسماعيلية المطلة على قناة السويس، وهي المدينة التي احتضنت مؤسس حركة الإخوان المسلمين .1928
وأول أسباب نجاحهم ومفاتيحها هو أن مكاتبهم عبارة عن وكالات للخدمات الاجتماعية، إذ لا يتوقف المواطنون المصريون عن زيارتها لطلب الاغطية والحرامات والبطاطين لاتقاء برد الشتاء، ولا يتردد المسؤولون في تلك المكاتب عن تقديمها لهم، مع توزيع منشورات احزاب الحركة وشعاراتها وبياناتها في حملتها الانتخابية .
كما طلب كثير من المصريين المساعدة المالية لدفع فواتير الدواء، وفي المساء تتدفق النساء والفتيات على تلك المكاتب لحضور محاضرات عن العلوم.
ويقول موظف الخدمة الاجتماعية أحمد قناوي، الذي استغرق وقتاً طويلاً في التفكير بشأن الجهة التي سيعطيها صوته في الانتخابات، «انهم يقومون بأعمال انسانية وخدمات اجتماعية ممتازة».
وتحصل الأحزاب الاسلامية على الاموال المخصصة لتلك الخدمات والأعمال من المسلمين الاثرياء الذين لا يحبون المجاهرة بعمل الخير، والذين يغلب عليهم التقوى. ولا يبدي مؤيدو الاحزاب العلمانية كرماً مماثلاً في ما يتعلق بالمساعدات المالية، فالاحزاب والقوى السلفية تحرص على الوجود في كل مكان وزقاق وحارة، بطريقة قد تعجز عنها الاحزاب العلمانية.
وقالت المعلمة سماح عبدالكريم (25 عاماً)، التي لا تخفي مساندتها للسلفيين «اننا لا نرى الاحزاب الاخرى، ولا نلاحظ وجودها إلا في موسم الانتخابات».
وحينما سألتها عما اذا كانت الاحزاب السلفية ستلغي عمل المرأة وتمنعها من حقها في الوظيفة، ردت بالنفي، وقالت «إن معاملتهم للنساء جيدة، لأنهم يساعدون المحتاجات منهن»، وهذا عكس فكرة عامة هي: ان الناس لا يصوتون للأحزاب الاسلامية لانهم يبحثون عن نمط تفكير وسلوك ديني او غيره، وانما يصوت بالطريقة والقناعة ذاتها التي يصوت بها الالمان للحزب الديمقراطي المسيحي، او الطريق التي يفضل بها الالمان في المقاطعات الجنوبية المحافظين المسيحيين، لان مرشحيهم يميلون الى التقوى والاستقامة ويجسدون القيم التقليدية ويعكسونها.
ويقول المتطوع في جماعة المستقلة لتثقيف الناخب المصري، عبدالوهاب سيد جمال، بشأن كيفية الإدلاء بصوته «يشعر الناخبون بأن الاحزاب العلمانية كانت فاسدة في السابق، ولم تعمل على الارتقاء بمعايير الحياة وشروطها، ويعتقدون بانه اذا كان المرشحون يخافون الله فلن يأخذوا رشوة، وما يهتم به الناخبون هو اسعار السكر والرز وغيرهما من المواد الاساسية، قبل اي شيء آخر، واذا كان المرشحون الاسلاميون قادرين على تأمين ذلك وتوفيره فإنهم سيفوزون، واذا فشلوا في ذلك فسيخسرون في الانتخابات المقبلة، ولن ينتهي بنا الامر كالصومال».
ولبعض السلفيين مواقف متشددة وآراء متطرفة، مثل القول ان المسيحيين والنساء لا يصلحون لمناصب القيادة. واثاروا تساؤلات وشكوكا حول معاهدة كامب ديفيد للسلام بين مصر واسرائيل. ونددوا بمواقف الاديب العالمي الحائز جائزة نوبل للآداب نجيب محفوظ في اعماله الادبية التي قالوا انها تمس الثوابت والمحرمات، لكن الناخبين توجهوا بأصواتهم الى حيث الاكثر اعتدالاً.
وذهب البعض إلى ان السلفيين يميلون الى فكرة اقامة الدولة الاسلامية، وتبني بعض مبادئ وقوانين الشريعة الاسلامية، لكن معظمهم يفضل ان يكون الامر رمزيا على طريقة عبارة «بالله نثق»، المطبوعة على فئات ورقة النقد الاميركية الدولار.
ويبدو لنا أن كثيراً من المصريين وغيرهم بسيطا حتى السذاجة كأنه يعيش بفكره منعزلاً عن مجتمعه حينما يبدي عجزاً عن فهم الاسباب التي تجعل الاقلية القبطية عصبية بعد الهجمات على الكنائس.
فالمحافظون من المسلمين يصرون على ان الإخوان لا يحملون موقفاً تمييزياً أو عنصرياً، وأن مصر هي البيت المثالي للاقباط الصالحين، وشريك رائع للغرب. وتساءل الشاب ايمن هشام (24 عاما)، ذو التوجهات السلفية، بكثير من الحيرة «ما الذي يخاف منه الغرب؟».
فهو يرى انه تحت حكم السلفيين، فإنه لن يطرأ اي تغيير أو تعديل على معاهدة السلام مع اسرائيل، وستزداد العلاقات بين مصر والولايات المتحدة قوة.
وبعد ان شاهدت شابة اميركية من اصل مصري ترتدي ملابس اميركية عصرية ولا تغطي شعرها، توجهت بسؤالي الى عدد من الاخوان عما اذا كان سيتوجب عليها ارتداء الحجاب، فما كان ردهم إلا ان قالوا «إنه قرارها وحدها»، على حد قول مرشح الاخوان المسلمين لعضوية مجلس الشعب د. هشام السولي الذي قال «لن تملي الدولة على الناس كيف يعيشون حياتهم».
وغالباً ما يعاني العلمانيون المصريون أزمة ثقة في الضمانات التي تقطعها الاحزاب الدينية، ويشعرون باليأس والاحباط لأنهم بين فكي الكماشة، الجيش بنوازعه وتوجهاته الدكتاتورية من جهة، وحركة السلفيين المحافظة التي فازت بأكبر الاصوات.
وأنا أتفهم ذلك وأؤيد انه سبب للقلق، لكن دعونا لا ندفع الامور نحو المزيد في هذا الاتجاه، ونتذكر ان الجيش المصري يبقى قوة للعلمانية، وان هناك فرصة معقولة وكبيرة لانتخاب رئيس جديد علماني لمصر مثل عمرو موسى وزير الخارجية السابق لمصر والامين العام السابق لجامعة الدول العربية، لتحقيق التوازن مع اكتساح السلفيين لانتخابات مجلس الشعب.
وعلى امتداد جيل كامل كانت الغلبة لتيار القومية العربية ذي التوجهات العلمانية، وكان الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر ابرز رموزه وقياداته المؤثرة في ستينات القرن الماضي، ويبدو ان هذه المرحلة هي مرحلة صعود الحركة الاسلامية. وفي جميع الاحوال فإن الديمقراطية خطوة الى الامام حتى حينما يخيب الناخبون آمالنا، وأبلغتني الطالبة رنا عبدالحي (18 عاماً)، انها لن تصوّت لمرشح سلفي «لكنها الديمقراطية ويجب علينا ان نحترم اختيار الآخرين حتى ولو كان اختيارهم خطأ».
نيكولاس كريستوف - كاتب ومحلل في «نيويورك تايمز» والمقال منشور فيها
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news