تصاعد التيارات الدينية في الشرق الأوسط يشمل إسرائيل
أطاحت الثورة نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك، وأفسحت مجالاً لآمال عريضة، وتصاعدت نغمات نشاز في جميع أنحاء مصر، وفي خضم تلك النغمات بدأت دقات طبول ضعيفة في البعيد، لكنها تتصاعد باستمرار مع مر الأيام، ولم تلبث ان مضت معظم البلاد خلف تلك الايقاعات، والذين لم يستطيعوا الرقص على انغامها وجدوا أنفسهم خارج الموكب أو تحت اقدام الجموع الثائرة.
حدث ذلك من قبل في إيران عندما استطاع آية الله روح الله الخميني، أن يوجه الثورة من الخارج ضد حكم الشاه ليصنع جمهورية اسلامية، فهل ينتظر مصر المصير نفسه في وقت يبدو فيه ان الانتخابات المصرية ستتمخض اغلبية اسلامية قوية في البرلمان؟ وهل سينتشر نموذج مصر، التي تعتبر اكثر البلاد العربية تأثيرا من الناحية الثقافية، في دول المنطقة الاخرى التي اكتسحها الربيع العربي؟
إن التقدم الكبير الذي أحرزه الإسلاميون في الجولة الاولى من الانتخابات البرلمانية جاء مفاجئا للكثيرين بمن فيهم النخبة المصرية التي يتشكل معظم افرادها من العلمانيين، حيث افترضت هذه الفئة من المجتمع ان «الاخوان المسلمين» سيحصلون على اكثرية بدلا عن أغلبية الأصوات، مثلما هي الحال مع صنويهما حزب «النهضة» في تونس وحزب «العدالة والتنمية» في المغرب.
لم تكن جميع الحكومات في وفاق مع جماعة الاخوان المسلمين، التي تأسست في العام ،1928 على الرغم من تبنيها نمطاً اسلامياً معتدلاً، وتعرف هذه الجماعة بإدراكها الواسع ومرونتها وسرعة تكيفها مع الاوضاع وتنظيمها الصارم، وفي المقابل فإن عشرات الاحزاب التي تخوض الانتخابات تنعدم فيها الخبرة والتنظيم، وتتصف بضيق القاعدة، وبعضها له علاقة ما مع النظام السابق.
ففي الجولة الاولى لانتخابات مجلس الشعب المصري استطاع حزب «الحرية والعدالة» أن يفوز بما يصل الى 46٪ من المقاعد، والامر المذهل اكثر هو الاداء الذي خرج به «حزب النور» السلفي، حيث استطاع هذا الحزب ان يكسب 21٪ من عدد المقاعد، وفي بعض المحافظات استطاع «السلفيون» هزيمة «الاخوان المسلمين» بهامش كبير، وعلى كل فإن الاسلاميين استطاعوا في الجولة الاولى من الانتخابات ان يكسبوا ثلثي المقاعد، وبما ان معظم الاصوات تأتي من المناطق الريفية التي تعتبر استحكامات اسلامية قوية فمن المتوقع ان يستمر الزخم الاسلامي قبل اكتمال الجولتين في منتصف يناير (المقبل). فلماذا اذا فاجأ ميزان القوى الاسلامية المتصاعد العلمانيين في مصر؟ ربما السبب في ذلك الاعتقاد القديم الذي كان سائدا ابان الحكومات المصرية التي سبقت حكم مبارك بفترة طويلة، والذي ينكر أن معظم المجتمع المصري ليس محافظاً ولا متديناً، وبغض النظر عما فعلته العلمانية في القرن الـ،20 فإن الصحوة الاسلامية التي شملت العالم أجمع اكتسحت في طريقها جل تلك الاعتقادات.
الحقيقة هي ان معظم المصريين ظلوا فقراء متدني التعليم وتعرضوا للتغريب من الطبقة الحاكمة التي تبنت نمط الحياة الغربي بدلا عن العادات المحلية. ففي استطلاع للرأي أجرته منظمة البحوث الاميركية (بيو) في سبع من الدول ذات الاغلبية المسلمة في ديسمبر ،2010 فضل معظم المصريين الحكومات «الاسلامية المتشددة» بدلا عن حكومات «الحداثة»، ويفضل اكثر من نصف المصريين فصل الجنسين في العمل مقارنة بـ13٪ من المواطنين الاتراك، ولا يتفوق على المصريين سوى الباكستانيين، في ما يتعلق بإقرار العقوبات الشرعية، على الرغم من ان المحاكم المصرية حاولت تفادي الكثير من هذه العقوبات في العقود السابقة.
كان فوز الاسلاميين في بدايات الانتخابات المصرية «تسونامي» أو «طوفان» أو «إعصاراً» بالنسبة للإسرائيليين، كما عبرت عن ذلك الصحف الاسرائيلية.
ووصف وزير الحرب الاسرائيلي إيهود باراك ذلك بأنه «مثير للقلق»، وتعامل المسؤولون الاسرائيليون مع الموقف «ببرود»، مدعين أنه لم يتبق سوى القليل من العلاقات الثمينة مع مصر، فقد توقفت المشروعات الزراعية الاسرائيلية المصرية، واغلقت المصانع التي لها علاقة مع اسرائيل، والتي كانت تتكسب من وراء الاعفاء من رسوم التصدير الى الولايات المتحدة، ومنذ أن بدأت الثورة في مصر في يناير الماضي توقف السياح الاسرائيليون عن المجيء الى مصر، وهذا العام فجرت الميليشيات المصرية ثماني مرات على الاقل انبوباً مصرياً ينقل الغاز الى اسرائيل، وظلت السفارة الاسرائيلية في القاهرة مغلقة الابواب. وتتخوف اسرائيل من ان تقوى العلاقات بين الاسلاميين القادمين الى الحكم في مصر و«حماس» التي تحكم قطاع غزة.
وإلى أقصى الجنوب سادت الفوضى شبه جزيرة سيناء، وانعدم فيها القانون، وسيطرت عليها الميليشيات الاسلامية والبدو، ومع ذلك تتردد اسرائيل في مهاجمتهم خوفا من ان يشعل ذلك حربا حدودية، فعندما ردت اسرائيل على ميليشيات ترتدي زي الجنود المصريين والتي قتلت ثمانية اسرائيليين بالقرب من احد المنتجعات على الجانب الاسرائيلي من ساحل البحر الاحمر، اكتسح المحتجون المصريون السفارة الاسرائيلية في القاهرة، وتخشى في ان يؤدي أي هجوم مماثل الى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وحتى لو لم تقدم أي حكومة اسلامية في مصر على إبطال اتفاقية «كامب ديفيد»، فإن اسرائيل تخشى ان تسعى تلك الحكومة الى تعديل بند الاتفاقية، القاضي بجعل سيناء خالية من السلاح، كما يمكن للحكومة المصرية الجديدة ان تخضع الاتفاقية للاستفتاء الشعبي، وعلى الرغم من ان السلفيين يدعون بأنهم غير عدوانيين تخشى اسرائيل من ان يتحولوا فيما بعد الى «جهاديين».
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: اذا ما وصل الإسلاميون الى سدة الحكم في مصر فكيف سيتعاملون مع اسرائيل؟ الدلائل الحالية لا تبشر بذلك، فعندما كسبت «حماس» الانتخابات الفلسطينية عام ،2006 ثم سيطرت في العام التالي على غزة آثرت إسرائيل مقاطعة وحصار القطاع ما لم تعترف «حماس» بها، من بين مطالب اخرى، بحق اسرائيل في الوجود، وبعد انهيار حكم مبارك، اقترح الدبلوماسيون الإسرائيليون التقرب من «الإخوان المسلمين»، إلا ان الأوامر صدرت إليهم بالكف عن ذلك.
إسرائيل
التيار الديني الأورثوذكسي في اسرائيل في تصاعد مستمر، فبعد ان كانت هذه الطائفة عبارة عن اقلية في الحكومة الاسرائيلية أصبحت الآن تشكل 40٪ من أعضاء الائتلاف الحاكم، ويشكل أفرادها أكثر من 40٪ من عدد الضباط في الجيش الاسرائيلي والجنود المقاتلين، ويعود السبب في ذلك إلى ان معدلات مواليدهم تساوي ضعف الطوائف العلمانية الاخرى، ويتشابه الخلاف بين ألوان الاطياف السياسية الدينية في إسرائيل مع نظيراتها في الدول الاسلامية، مثلما هي الحال بين «الاخوان المسلمين» و«السلفيين».
وتحت ضغوط السلطات الحاخامية يرفض الجنود المتدينون الانضمام للعروض العسكرية التي تشارك فيها النساء الجنديات، وألغت البلديات عروض الفرق الموسيقية التي تغني فيها فنانات، أو يصر المتدينون على أن تغطي النساء كامل أجسادهن، وإبعاد الاعلانات التي تبدو فيها نساء شبه عاريات من الشوارع والحافلات. وفي ضواحي تل ابيب حيث يوجد المتدينون المتشددون لا تجسر النساء على قيادة السيارات، وعبرت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، عن ذلك بقولها انها تخشى من انتقاص حقوق المرأة في إسرائيل، عندما أزالت احدى الصحف الدينية صورتها من أحد الأخبار.