تفاقم الصراع على السلطة بين المجلس الانتقالي والفصائل الليبية
ما إن أكد الاتحاد الأوروبي الإفراج عن الودائع الليبية التي تقدر قيمتها بنحو 150 مليار دولار، حتى بدأ صراع بين السلطة الليبية من جهة، والفصائل المسلحة التي يعود لها الفضل في تحرير ليبيا، من جهة أخرى، من أجل الحصول على حصة مناسبة من هذه الكعكة الكبيرة.
وتعتبر كتيبة مقاتلي الزنتان من أهم الفصائل التي فرضت وجودها في العهد الجديد، إذ تسيطر على مطار طرابلس الدولي.
ومن المنتظر أن يصل المبلغ الذي طبع في ألمانيا إلى طرابلس قريبا، وبالطبع فإن القوة التي تسيطر على المطار سيكون لها نصيب من هذه الأموال، قبل أن تودع في البنك المركزي. ويدخل التنافس من أجل السيطرة على المطار ضمن لعبة سياسية كبرى في ليبيا، قد تكون الفصائل المسلحة وبقايا الجيش النظامي، أهم اللاعبين فيها. ووصف وزير الخارجية البريطاني، وليام هيغ، الإفراج عن الأصول الليبية بأنه «لحظة مهمة أخرى في المرحلة الانتقالية» التي تمر بها ليبيا الجديدة.
تحكم كتيبة الزنتان قبضتها على المطار الدولي في العاصمة طرابلس، في الوقت الذي يحاول فيه الجيش الليبي الذي يقوده ضباط من عهد الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، بسط سيطرته على هذا المنفذ الاستراتيجي، ما يوحي بوجود صراع حقيقي بين الفريقين على السلطة.
وفي هذه الأثناء يواجه المجلس الوطني الانتقالي موجة من الانتقادات، عبر عنها آلاف الليبيين الذين خرجوا إلى الشوارع في الآونة الأخيرة مطالبين برحيله. وحاولت قوات من الجيش اقتحام المطار، إلا أن مقاتلي الزنتان تصدوا للهجوم وانتهى الأمر عند نقطة التفتيش الأولى، وجرح خلال الاشتباك مسلحون وتوقفت الرحلات الجوية لبعض الوقت.
وقبل أسبوعين، طلب الجيش مساعدة المقاتلين من الشرق الليبي، إلا أن المقاتلين القادمين من هناك تم إيقافهم على بعد 200 كيلومتر من العاصمة على أيدي مقاتلي مصراتة المتحالفين مع مقاتلي الزنتان. ويتوقع مراقبون أن تشتد المعارك بين الفصائل المسلحة بعد إطلاق النار على نجل قائد الجيش الجديد خليفة حفتر، في معركة خارج أهم بنك في طرابلس.
من جهته قال وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا، إن نزع سلاح المسلحين سيتطلب وقتاً، ويعتقد دبلوماسيون أن الوضع في ليبيا لن يتحسن إلا إذا تمكن الجيش من السيطرة على المسلحين.
وتبقى بنية الجيش الليبي الجديد غير واضحة، فقد تم تشكيله في فبراير الماضي، عند بداية الثورة شرق البلاد، وضم مئات من المنشقين عن كتائب القذافي، في الوقت الذي بقي فيه أغلب عناصر الجيش موالين للقذافي. وفي المقابل تمكن مسلحو الزنتان ومصراتة من تنظيم صفوفهم، ويولون بالطاعة لقادتهم والمجالس العسكرية المحلية. ويشتكي مقاتلون في المدينتين فوضى السلاح، إلا أن الوضع مستقر في الزنتان ومصراتة، خلافا لطرابلس التي يسمع فيها إطلاق الرصاص كل ليلة. ويعود الفضل في الاستيلاء على العاصمة لمقاتلي المدينتين، في حين كان جيش التحرير على بعد مئات الأميال. ويخشى قادة المسلحين هناك من تهميشهم من طرف فصائل الشرق، وحرمانهم من الأموال التي ستصل ليبيا قريباً، كما تساورهم شكوك بأن هناك نية لإقصائهم من الحكم مستقبلاً. ونجح مسلحو المدينتين في إجبار المجلس الوطني الانتقالي للموافقة على تعيين وزير للدفاع من الزنتان، وآخر من مصراتة لتولي حقيبة الداخلية. وبعد اشتباك المطار، انضمت ثلاث مقاطعات، من أصل 11 مقاطعة في ليبيا، إلى تحالف الزنتان ومصراتة. ويقول مسلحو المنطقة إنهم لن يسمحوا للنظام السابق بأن يعود أو لبقاياه بأن يحكموا بلادهم.
تتألف كتيبة الزنتان من سبعة ألوية، يضم كل واحد منها 150 مقاتلاً، ويعمل بعضهم بشكل جزئي. وإلى جانب تأمين المطار يقوم مقاتلو الكتيبة بدوريات منتظمة في القرى الممتدة على سفوح جبل نفوسة وصولا إلى الحدود التونسية.
ويعتزم المسلحون البقاء في مطار طرابلس إلى أجل غير محدد.
ويقول المقاتل المسؤول عن حراسة مستودع الأسلحة، مصطفى العربي، «المطار حر، ويجب أن يبقى حراً. إنه الشيء الوحيد الذي يربط ليبيا ببقية العالم».
وفي المقابل، يعتقد قائد الجيش خليفة حفتر، وهو ضابط عسكري سابق قضى ثلاثة عقود في المنفى بالولايات المتحدة، أن هناك جيشاً واحداً في ليبيا. إلا أن الجيش الذي أسسه المجلس الانتقالي لا يضم حاليا سوى 200 عنصر أو أكثر، ولسوء حظ حفتر، فإن المجلس يواجه موجة احتجاجات وانتقادات واسعة، ما يعيق ضغط هذا الأخير على الفصائل المسلحة للانضمام إلى الجيش الوطني. ويرفض المجلس، إلى الآن، الإفصاح عن هوية أعضائه أو حتى عددهم. وعلى الرغم من أنه قام بتعيين الحكومة إلا أن القرارات السياسية تتخذ داخل مكان ضيق أشبه بالصندوق الأسود.
وتجرى الاجتماعات في سرية تامة، ولا يتم الكشف عن نتائج التصويت داخل المجلس، كما أن القرارات تبث خلال أوقات غير عادية. ومثال على ذلك القرار الذي صدر الأسبوع الماضي، والذي يقضي بنقل وزارة النفط والاقتصاد إلى بنغازي، والمالية إلى مصراتة، الأمر الذي يجعل الإدارة الجديدة مشتتة في نطاق شاسع. ويرى مراقبون أنه من دون شفافية كافية، فإنه من المستبعد أن ينجح المجلس الانتقالي أو الجيش الوطني في إقناع الفصائل المسلحة بنزع أسلحتها.