التبعات الفورية للأزمة السورية اقتصادية

لبنان محصّن ضد «الربيع العربي»

سوريون ولبنانيون يتظاهرون ضد الأسد في طرابلس. رويترز

لم ينجرّ لبنان إلى نزاع داخلي في السنوات الأخيرة على الرغم من الأزمات السياسية والاجتماعية التي مر بها، وتستمر الحياة على طبيعتها في الشوارع اللبنانية على الرغم من الثورات الشعبية التي تعصف بالمنطقة، ولم يتردد المهاجرون في العودة إلى بلادهم لقضاء أعياد الميلاد مع أهاليهم وأصدقائهم. ويبدو المواطن اللبناني على قدر من الوعي السياسي، ففي حين رحب أغلبية اللبنانيين بالإطاحة بنظامي زين العابدين بن علي وحسني مبارك في تونس ومصر، يبقى المزاج العام غير مستريح لما يجري في الجوار حالياً. وفي حين أعلنت بيروت حيادها تجاه دمشق، على الأقل في الوقت الراهن، تظل قلقة حيال التطورات في سورية، واحتمالات نشوب حرب أهلية أو سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، الأمر الذي له تأثير مباشر في الدول المجاورة، أولها لبنان.

على صعيد آخر، يرى محللون أن انهيار نظام الأسد سيؤثر في موازين القوى في لبنان، إذ تعد دمشق من أهم الداعمين لـ«حزب الله». وإلى جانب هذا القلق اللبناني المبرر، فإن النتائج الفورية للأزمة السورية تطال الاقتصاد اللبناني، فالشوارع اللبنانية خالية تقريبا من السياح العرب والأجانب، فقد دأب السياح الأردنيون والإيرانيون على السفر براً إلى لبنان عبر الأراضي السورية، وفي هذه الأثناء تحاول وكالات السفر المحلية جذب السياح بتقديم عروض مغرية.

ويقول الخبراء ان النشاط الاقتصادي تراجع بشكل لافت منذ انفجار الوضع في سورية. ويشتكي التجار تراجع الاسعار ويخشون كساد بضائعهم، وفي ذلك يقول أحمد فياض، وهو تاجر خضراوات وفواكه في بيروت «انخفض سعر كيلوغرام الليمون بواقع الثلث أخيرا»، وفي حين انخفضت الكميات المتوجهة إلى مصر وليبيا والعراق، أصبحت البضائع اللبنانية تشحن إلى الخليج جواً، ما يزيد الأعباء على المزارعين.

فرضت المجموعة الدولية عقوبات اقتصادية على النظام السوري، وكان القطاع المصرفي أحد المتضررين في لبنان، وهناك شائعات تقول إن أموالاً سورية يتم تهريبها إلى بنوك لبنانية. يذكر أن الخزانة الأميركية تلاحق البنك اللبناني الكندي، ومقره بيروت، قضائياً بسبب ما يقول الأميركيون ان البنك ضالع في تحويلات مالية نيابة عن «حزب الله»، إلا أن مسؤولين لبنانيون يؤكدون أن الحكومة اللبنانية فعلت كل ما ينبغي من أجل احترام المطالب الدولية في هذا الشأن وأن التدابير المتخذة جديرة بالثقة. وتحرص البنوك التي تمتلكها عائلات لبنانية على أن تكون سمعتها جيدة لأن ذلك سيكون في مصلحتها مستقبلاً. وتعبر صحف مقربة من تحالف «14 آذار» بزعامة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري عن مخاوفها من أن ينعكس الصراع في سورية سلبا على لبنان، وتتوقع هذه المصادر الصحافية علاقة أكثر توترا بين السنة والشيعة في لبنان، ودخول المسيحيين والدروز عند نقطة ما في الوسط بين الطائفتين، كما يتخوف البعض من أن إضعاف «حزب الله» بعد أن يفقد حليفه الاستراتيجي، قد يدفعه إلى التحرك بعنف. أما الصحافة المؤيدة لـ«حزب الله» وحلفائه المسيحيين، فيوجهون أصابع الاتهام، في ما يخص الانتفاضة الشعبية في سورية، إلى أطراف خارجية ومتشددين سلفيين تناغما مع الموقف السوري في هذا السياق.

بالنسبة لكثير من اللبنانيين، فإن الربيع العربي يعيد إلى الذاكرة المسيرات التي أعقبت اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في ،2005 إذ نزل ربع اللبنانيين إلى الشارع، وكان من نتائج هذا التحرك الشعبي ميلاد تحالف «14 آذار»، كما سحبت دمشق قواتها من لبنان في ما بعد، بفعل الضغوط الشعبية والسياسية، إلا أن هذا الانسحاب لم يمح الوجود السوري من لبنان الذي استمر ثلاثة عقود متتالية، إذ ترك أتباعاً ومؤيدين في كثير من المؤسسات والأحزاب اللبنانية. وفي هذا السياق اتهمت بيروت دمشق بخطف معارضين سوريين على الأراضي اللبنانية، الأمر الذي أيدته منظمة «هيومن رايتس ووتش» لحقوق الإنسان. وحاليا يوجد أكثر من 5000 لاجئ سوري في لبنان، وتم خطف نحو 15 من هؤلاء. في المقابل يعتقد الخبير في «تشاثام هاوس»، نديم شهادي، أنه لا توجد مخاوف جدية من الأحداث السورية على لبنان، ويقول «لدى لبنان فرصة للاستفادة من الثقافة السياسية الجديدة في المنطقة»، موضحاً أن «حزب الله» الذي أبدى تأييدا واضحا للانتفاضات الشعبية في تونس ومصر والبحرين، يتعين عليه فقط أن يبرر موقفه حيال سورية، في حال انهار نظام الأسد.

كان من الممكن أن تتسبب الأزمات التي حدثت في السنوات العشر الماضية في انفجار الوضع في لبنان، إلا أنها لم تفعل، فالحرب الأهلية (1975-1990) ماتزال حاضرة في الذاكرة اللبنانية، وهناك تردد لدى الأغلبية في الرجوع إلى تلك الأيام الصعبة، وربما لهذا السبب وحده يقول المراقبون، إن لبنان هو أكثر البلدان استقراراً في المنطقة.

تويتر