معتمدين على نفوذ إقليمي وتوقعات بدور دولي

«الإخوان» يعملون في صمت داخل ليبيا

خريطة ليبيا أكثر تعقيداً من مصر وتونس بالنسبة للإسلاميين. رويترز

يبدو أن «الإخوان المسلمين» في ليبيا يتمتعون في الوقت الراهن بشعبية ضحلة للغاية، وسط الشعب الليبي الذي يتكون معظمه من الطائفة السنّية، ويتضح ذلك من خلال مقابلاتي الصحافية وحواراتي مع قطاعات كبيرة من الشعب الليبي، من بينهم طلبة ومحامون وقضاة في وزارة العدل، واصحاب متاجر وغيرهم. وكثيرا ما يعبر هؤلاء بقولهم «ان (الاخوان المسلمين) يختلفون في الطريقة التي ينظر بها الليبيون للإسلام»، وان «الاخوان المسلمين» «يمثلون اشخاصاً اجانب يتدخلون في شؤوننا»، وان «ثورتنا لا تهدف الى احلال نظام أوتوقراطي بآخر مشابه».

مفارقات

ما تقوله هذه القطاعات من الشعب الليبي يعكس كثيراً من المفارقات بين ما يقولونه وبين ما هو حقيقة على ارض الواقع، إذ يعتقد مراقبون هنا في ليبيا ان «الاخوان المسلمين» سيفوزون في الانتخابات العامة في يونيو المقبل، نظرا لانهم يتمتعون بموقف قوي نسبيا ويجدون المساندة من دولة قطر، والمساعدة من جماعة «الاخوان المسلمين» ومنظماتهم في مصر وتونس والمغرب والجزائر وتركيا، وان جميع الرحلات الجوية القادمة من مصر الى ليبيا يتشكل معظم ركابها من نشطاء من «الاخوان المسلمين»، كما يقول «دكتور علي»، استاذ العلوم السياسية الموالي لنظام الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، والذي استطاع حتى الآن الاحتفاظ بوظيفته الجامعية.

«الاخوان المسلمون» هم اكثر المجموعات الدينية تنظيماً وتمويلاً، ويعملون في الوقت الحالي بهمة ونشاط في ضواحي المدن الليبية الرئيسة في تجنيد الافراد وتنظيم الحملات مع التزامهم بصمت نسبي. وطلبوا من اعضائهم حلق لحاهم والحديث بودية عن الحكومة الانتقالية وتجنب الجدال، وتذكير الليبيين بأن «ليبيا ليست أفغانستان»، وكل ما يريده المواطن الليبي هو الامن والسلام المحليين وعدم التدخل الاجنبي.

وتراقب كل من اميركا وبريطانيا وفرنسا في الوقت الراهن الموقف بحذر شديد، ويعتقد بعض اعضاء المجلس الوطني الانتقالي الليبي ان وزارة الخارجية الاميركية غير متأكدة مما ستؤول اليه السياسة الاميركية في ليبيا، لان اميركا تعتريها مشاعر متضاربة حيال «الاخوان المسلمين»، إذ يعتقد بعض المسؤولين الاميركيين بأن «الاخوان المسلمين» يمثلون موجة جارفة لا يمكن كبحها تزحف في الوقت الراهـن لتشكل قوسا او هلالا يتمدد بسرعة عبر المغرب العربي ويتنامى في تركيا، وان تيار «الاخوان المسلمين» سيهيمن على سورية عند الاطاحة بنظام حكومة (الرئيس السوري) بشار الاسد. ليس هذا فحسب، بل ان «الاخوان المسلمين» يمثلون اداة جيدة لواشنطن، إذ يأمل بعض اعضاء الكونغرس وبعض اعضاء حكومة الرئيس الاميركي باراك اوباما، وايضا بعض اعضاء اللوبي الصهيوني داخل الكونغرس وخارجه - بأن يصبح «الاخوان المسلمون» أداة جيدة لإشعال حرب طائفية في المنطقة، بعد ان فشلت الادارة الاميركية من قبل في اشعال نزاع مميت بين السنة والشيعة، وهي السياسة الاميركية المرسومة منذ ثمانينات القرن الماضي.

كما تأمل اميركا أيضا أن تؤدي هيمنة «الاخوان المسلمين» على الحكومة المقبلة في سورية - الى تقوية هذه الجماعة في لبنان، لتكتسب الزعامات السنية هناك نفوذاً قوياً افتقدته قبل سبع سنوات منذ مقتل رئيس الوزراء السابق، رفيق الحريري، ما ادى الى هيمنة الشيعة ممثلين في «حزب الله».

وفي الوقت الحالي ستلزم دول حلف شمال الاطلسي (ناتو) الصمت في ما يتعلق بالانتخابات المقبلة، وستقطع علاقتها بمسؤولي المجلس الوطني الانتقالي الذين لم يتبق لهم في السلطة سوى ستة اشهر والتمهيد لـ«الإخوان المسلمين» للهيمنة على الحكومة المقبلة في ليبيا. ويبدو ان «الاخوان المسلمين» في ليبيا على دراية تامة بالأساليب التي يستطيعون من خلالها استقطاب الناخبين وتعليمهم كيفية المشاركة في الاحزاب السياسية التي حظرها النظام السابق منذ .1972

قضايا حساسة

تدرس جماعة «الاخوان المسلمين» في الوقت الراهن كيفية دفع رواتب الجيش، وايجاد او خلق وظائف لرجال الميليشيا، ومساندة حقوق المرأة، واصلاح ما دمرته الحرب، وتنظيف المدن من القمامة المتراكمة، وتنظيم حركة السير التي جعلت بعض طرق طرابلس تكاد تتوقف من الازدحام.

بعض القضايا الحساسة التي لم تستطع جماعة «الاخوان المسلمين» القطع فيها برأي تتمثل في تجريد سلاح الميليشيات، واقناع الشباب بالعودة الى مدنهم وقراهم، وتسليم أسلحتهم أو الانضمام للشرطة أو الجيش، ويعترف كل من «الاخوان المسلمين» والمجلس الانتقالي بعدم جدوى نزع سلاح الميليشيات في المستقبل المنظور.

ويولي «الاخوان المسلمون» اهتماما كبيرا بمسودة قانون الانتخابات الذي تم تبنيه الاثنين الماضي، إذ ازاحت هذه المسودة اقوى المناوئين لـ«الإخوان المسلمين»، وينص القانون على تشكيل جمعية وطنية تتولى كتابة دستور جديد للبلاد، وتكوين حكومة تصريف امور ثانية، على ان يتم الانتهاء من ذلك خلال شــهر واحــد. وتحظر مسودة القانون «جميع افراد نظام القذافي»، من الترشح في الانتخابات المقبلة. بعض قضاة وزارة العدل الذين تحدثت اليهم في هذا الشأن ابدوا خيبة املهم من المسودة، لانهم يعتقدون ان 80٪ من طاقم الوزارة ومعظم الوزارات الاخرى عملوا تحت النظام السابق، وكانوا ليبيين وطنيين، وسيكون هناك كثير من الفوضى والتشويش في ما يتعلق بتطبيق قانون الانتخابات الجديد، إذ يحظر القانون ايضا ترشح أي شخص حصل على درجة جامعية اعتمدت على «الكتاب الاخضر» الذي يضم نظرية القذافي. كما يحظر القانون ايضا ترشيح جميع الاكاديميين الذين كتبوا عن الكتاب الاخضر.

ويبدو ان المجلس الانتقالي لن يضع الكثير من العراقيل الانتخابية امام «الاخوان المسلمين» في الوقت الذي يتعرض فيه هذا المجلس للكثير من الانتقادات منذ ظهوره إلى الوجود قبل ستة أشهر. الشهر الماضي طالبت مجموعة، تدعي بأنها تمثل 70٪ من الثوار، بمنحها 40٪ من مقاعد المجلس الانتقالي، وبدلا من ذلك عين المجلس مجموعة عشوائية من التكنوقراطيين.

فراكلين لامب صحافي وأكاديمي أميركي مهتم بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تويتر