بعد عام من سقوط بـن علي.. التونسيون يترقـــبون الإصلاحات الموعودة
كان يفترض ألا تمر ذكرى اضرام الشاب التونسي محمد البوعزيزي النار في نفسه، مرور الكرام، لأن الحادثة كانت بمثابة عود الثقاب الذي أشعل ثورة انتهت بهروب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وتتالت بعد ذلك الثورات التي أطاحت بثلاثة رؤساء عرب إلى الآن.
إلا أن اللافتات التي حملها المتظاهرون في الشارع التونسي لا تمجد البوعزيزي، إنما تدل على حالة الإحباط التي مازال يعيشها الشباب في هذا البلد المتوسطي.
وفي هذه الأثناء تنتظر عائلات كثيرة في القرى المحيطة بمدينة سيدي بوزيد-مهد الثورة التونسية الأخيرة- توصيل الكهرباء، في الوقت الذي يعاني فيه 40٪ من شباب المدينة البطالة منذ سنوات.
ونظراً لندرة فرص العمل فإن كثيراً من الخريجين يلجأون إلى مهن لا تتطلب خبرات علمية، مثل بيع الخضراوات مستخدمين عربات بسيطة، مثل التي كانت لدى البوعزيزي.
يرى عبدالقادر شيبالي، أحد جيران البوعزيزي، الذي يسكن في حي النور المكتظ بالسكان، أنه على الرغم من حصول الناس على الحرية ، إلا أن ولايته لاتزال تعاني المشكلات الاقتصادية المزمنة نفسها التي تعانيها أغلبية الولايات التونسية، أهمها تركيز المصادر في مناطق محددة، وغياب التوظيف، والخدمات العامة السيئة، فضلاً عن هجرة الكفاءات من الولاية الفلاحية باتجاه العاصمة أو الخارج بحثاً عن فرص عمل أفضل.
ويقول شيبالي إن «سيدي بوزيد هذا العام أسوأ من سيدي بوزيد في ،2010 وأعتقد أن العام المقبل سيكون أسوأ».
أما مدير مدرسة الزهراء، عبدالقادر منصور، فيؤكد أن المدرسة التي درس فيها البوعزيزي سنوات طويلة لاتزال تعاني المشكلات نفسها التي عاشتها في عهد بن علي، حيث تكتظ الصفوف بالتلاميذ، كما أن المناهج التربوية عفا عليها الزمن، في الوقت الذي تشهد فيه المؤسسات نقصاً في الكادر التعليمي، ما يزيد من معاناة قطاع التربية في سيدي بوزيد ويحرم الأجيال القادمة من تلقي تعليم متطور.
ويقول منصور «يجب أن يكون لدينا أمل في المستقبل، إلا أن الأمل لا يستطيع أن يملأ البطون الخاوية أو يعلم أبناءنا».
وغير بعيد من المكان الذي شهد حادثة «انتحار» البوعزيزي حرقاً، قرر عدد من الشباب العاطلين عن العمل الاحتجاج على الأوضاع المعيشية المزرية.
ونصب المحتجون خياماً وأحضروا فرشاً وبطانيات على أن يستمر احتجاجهم أطول فترة ممكنة حتى تلتفت إليهم السلطات المعنية.
وعلى الرغم من أن الشباب يقومون بذلك في أمان ومن غير خوف من أن تتدخل قوات الأمن، كما كانت الحال في عهد بن علي، إلا أنهم غير متفائلين بتحقيق النتائج المنشودة، وعلى رأسها الحصول على فرص عمل.
وفي ذلك يقول أحد سكان سيدي بوزيد، ويدعى ناجم جبلي، «بفضل شهدائنا حصلنا على حرية التعبير، لكن من دون إصغاء السلطات إلينا، فإن هذه الحرية من دون فائدة».
من جانبها، تقول الصحافية والناشطة التونسية، نزيهة رجيبة، إن هناك شعوراً لدى التونسيين بأنه بعد عام من الإطاحة بنظام بن علي، فإن العمل الحقيقي لبناء تونس الجديدة قد بدأ الآن.
وتضيف الناشطة السياسية «لم تكن الثورة حدثاً منفرداً، بل بداية عملية قيد التنفيذ».
وترى رجيبة أن بلادها تواجه «تحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية، وبدأ الناس يدركون أنه يتعين الضغط على السياسيين حتى يفوا بوعودهم».
بعد خطاب الرئيس الجديد المنصف المرزوقي، أواسط ديسمبر الماضي، الذي أشاد فيه بتضحيات «شهداء الثورة التونسية»، حاول عشرات التونسيين اقتحام بلدية سيدي بوزيد لتقديم «الطلبات الاجتماعية».
وتقول أم جعفر، التي لم تتمكن من لقاء المرزوقي «إنهم في مكاتبهم في العاصمة، وحصل الناس على الحرية السياسية، ومازلنا نحن نعاني منتظرين الحصول على حقوقنا الاقتصادية».
وتضيف «بدأ التونسيون يتساءلون: هل ضحى شهداؤنا من أجل هذا؟».
أما المزارع جمال جلبي، العاطل عن العمل، فيقدم نظرة أكثر قتامة للمشهد التونسي، ويقول «الناس يقولون لنعطي الحكومة سنة، وأنا أعطيهم ستة أشهر قبل أن يعود المتظاهرون إلى الشوارع».
تختلط المشاعر في تونس وتتقاسم الآمال، ففي الوقت الذي يعبر فيه الشباب التونسي عن فرحتهم برحيل بن علي وعصابته، يتخـوف الكثيرون من المستقبل.
ويقول نافل حرشاني، وهو صديق البوعزيزي، إن «محمد البوعزيزي لو كان موجوداً بيننا لأصبح سعيداً برحيل بن علي، وكل تونسي سيشعر بالفخر عندما يرى بن علي يغادر البلاد»، مستدركاً «لكني أعتقد أنه سيكون محبطاً عندما يرى أقرانه يعانون الأوضاع الاقتصادية القاسية».
وفقاً للناشطين الشباب الذي أسهموا في قيادة الثورة، فإن النغمات القاسية التي تتردد في الشوارع تعكس الشعور المتزايد من الاستياء بين المواطنين الذين يشعرون بأن الثورة «اختطفت» من قبل السياسيين- وكثير منهم قضى سنوات في المنفى في عهد بن علي، إذ يعتقد الشباب التونسي أن هؤلاء السياسيين يبدون اهتماماً بتنفيذ أجنداتهم بدلاً من معالجة مطالب الشارع.
وفي ذلك تقول الناشطة لينا بن مهني، «أدركنا أن النخبة السياسية قامت باحتجاز جهود الشباب التونسي»، وتوضح الناشطة والمدونة، التي صنفت ضمن شخصيات العام 2011 من قبل مجلة «تايم» الأميركية، أن «الناس غير سعداء بما رأوا خلال العام الماضي، وهم غير سعداء إزاء التوجه السياسي عموماً».
مزيد من الوقت
المرزوقي: أمامنا تسونامي حقيقي من المشكلات. رويترز |
طلب الرئيس التونسي الجديد المنصف المرزوقي، أول من أمس، مزيداً من الوقت من اجل إدارة «تسونامي المشكلات» التي تواجهها تونس. وقال الرئيس التونسي، قبل أيام «أطلب الانتظار قليلاً قبل استخلاص النتائج، لقد عانى التونسيون 50 سنة من الدكتاتورية والآن كل المشكلات التي طرحت جانبا، واخفيت ونسيت وكبحت، تنفجر في وجوهنا». واعتبر أنه «تسونامي حقيقي من المشكلات، انها ورشة ضخمة». في سياق متصل، منح الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي تونس قرضين بقيمة إجمالية تبلغ 191 مليون دولار لتمويل مشروعات تنموية وحفز القطاع الخاص في تونس، وإيجاد فرص عمل للمزارعين وأصحاب المهن والمهارات وخريجي التعليم العالي والتأهيل المهني. وسيخصص جزء من القرض لتمويل مؤسسات ومشروعات القطاع الخاص القائمة والمزمع إحداثها في إطار البرنامج العاجل لدعم مشروعات القطاع الخاص الصغيرة.