إسرائيل تعاقب شعباً لترسيخ خرافات الماضـي
يبدو أن الفلسطينيين ليسوا فقط «شعباً مبتكراً» كما ادعى (أحد المنافسين للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية) نيوت غنغريتش، وانما هم ايضا العرب الوحيدون في منطقة البحر الأبيض المتوسط، الذين لم ينعموا بربيع أو صحوة او حتى شتاء عربي.
وادعى (رئيس الوزراء الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو، قبل ذلك، انه محق بشأن مصر وتونس وليبيا، لكنه لم يرحب بثوراتهم الديمقراطية المفترضة، العام الماضي، بيد أنه صمت الآن.
وأرى ان صمت رئيس الوزراء الإسرائيلي شمل سورية ايضا، عدا اتهامه نظام (الرئيس السوري، بشار) الأسد بالتورط في محاولة دفع اللاجئين الفلسطينيين لعبور الحدود الإسرائيلية عبر الجولان العام الماضي. ربما يكون نتنياهو محقاً بشأن ذلك، ومحقاً أيضاً في تعليقاته في يونيو الماضي، بأن «شباب سورية يستحقون مستقبلاً أفضل»، وليس لدى إسرائيل، التي تعد «منارة للديمقراطية في الشرق الأوسط»، شيء لتقوله اكثر من ذلك.
لسبب ما فإننا لا نناقش مثل هذا الصمت في الصحافة والتلفزيون والبرلمانات، ولكن، كما اشار البروفيسور ايان بروما، قبل وقت قريب، فإن الورثة السياسيين «للتقاليد العنصرية الراسخة»، هم ايضا الأبطال الجدد للدولة اليهودية، الذين تدين سياساتهم الراهنة بوجودها لتقاليد القرن الـ19 «الشوفينية» اكثر من جذور الصهيونية الاشتراكية.
ويساند الكثيرون من الناس، ومن مختلف المشارب، إسرائيل، ومن المفجع ان نعلم ان «جزار مذبحة أوسلو» الجماعية، اندريس بريفيك، ساند التطهير العرقي للفلسطينيين من الضفة الغربية، ونستطيع ان نقول ان ذلك ليس غلطة اسرائيل، ونلاحظ ايضا ان الجمهوريين في اميركا يَحْذرون من تطبيق الشريعة الإسلامية في اميركا، وهي فكرة تبناها المحامي من طائفة «الحسيدين» اليهودية، ديفيد يروشاليمي، وجمعيته المعروفة بـ«أميركيين من اجل الوجود القومي»، كما ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز»، حيث يردد صدى افكاره هذه الأيام كل من المدير السابق لوكالة الاستخبارات الأميركية المركزية، جيمس وولسلي، والجمهوري، نيوت غنغريتش، وميشيل باتشمان (الأخيران وقـّعا تعهداً برفض القوانين الإسلامية).
ويبدو أن اسرائيل التي كانت في الماضي تحلل الأحداث بعقلانية، فقدت القدرة على متابعة الأحداث، ويختفي رئيس وزرائها خلف خطاباته الخادعة المضللة، في الوقت الذي يفترض ان يفهم فيه كنه الإعصار الذي يجتاح الدول العربية حوله، فالشعوب التي لم تعد تتسامح مع الطغاة لن تقبل باتفاقات السلام الموقعة مع اسرائيل التوسعية. ويكفي ان نعلم ان قرار نتنياهو، الخريف الماضي، بإقامة 2000 وحدة استيطانية اضافية، هو من احدث اساليب معاقِبة للفلسطينيين الذين تجرأوا للمطالبة بدولتهم الخاصة.
(الرئيس الأميركي، باراك) أوباما يمارس الصمت ايضا، فعندما توسل نتنياهو بجانب اوباما لإنقاذ (الرئيس المصري السابق، حسني) مبارك، فإننا ندرك ان هناك خطأ ما، فقد تحدث المحلل الصحافي الإسرائيلي، جدعون ليفي، بنوع من السخرية المفجعة عن حماقات حكومته، وعدم ادراكها ان الديمقراطية العربية انما جاءت من اجل الخير وليس الشر، وان علاقة الحكومة الإسرائيلية بالولايات المتحدة تشكل خطراً على اسرائيل، وعلى الرغم من ذلك تستمر المستوطنات في النمو. وهو السبب وراء عدم رغبة الفلسطينيين استئناف محادثات السلام مع اسرائيل تحت «الحيادية» التي تلتزمها الولايات المتحدة.
اليهود الليبراليون في اميركا يشعرون بالغضب بشأن هذه الظاهرة، ويعتقدون ان اليمين الإسرائيلي يتميز بشيء من الفاشية. وفي حقيقة الأمر هناك رسالة بالقرب مني اثناء كتابتي هذا المقال، تم ارسال نسخة منها الى صحيفة «نيويورك تايمز» في الثاني من ديسمبر ،1948 تحذر من زيارة الشاب مناحيم بيغن الى اميركا لأن «حزب الحرية» الذي يتزعمه - كما تقول الرسالة - ذو صلة لصيقة بالأحزاب الفاشية من حيث تنظيمها ووسائلها وفلسفتها السياسية، وكان من بين مؤلفي تلك الرسالة العالم الشهير، آلبرت أينشتاين. واليوم نجد اسرائيليين يساريين شجعاناً امثال ميكو بيليد، ابن الجنرال الإسرائيلي الأسطوري، ماتي بيليد، يطوف الولايات الأميركية للتحذير من المخاطر التي تسببها اسرائيل. وفي احدث خطاب له وصف القصف الفظيع الذي تعرضت له غزة في 27 ديسمبر 2008 (استشهد من جرائه 1300 فلسطيني وقتل 13 إسرائيلياً)، بأنه عبارة عن «تاريخ مطبوع في ذاكرتنا بوصفه اكثر الأيام ظلامية وخزياً في تاريخ الشعب اليهودي».
والآن، كما يقول بيليد، ربما يتم ترحيل آلاف الفلسطينيين من منازلهم من منطقة سلوان القريبة من القدس الشرقية «لكي تستطيع اسرائيل اقامة متنزه لتمجيد انتصار حربي حدث قبل 3000 عام، حيث تريد اسرائيل ان تمحو شعباً من الوجود يعيش على ارضه لا لسبب سوى ترسيخ خرافات الماضي المجيد».
روبرت فيسك - حافي بريطاني خبير في شؤون الشرق الأوسط