تبخرت وعود التغيير وضاع الأمل والرجاء
أوباما والآمال العراض بعد 3 سنوات في البيت الأبيض
ثلاث سنوات كاملة مضت من حكم الرئيس باراك حسين أوباما في الولايات المتحدة، ففي مثل هذه الايام قبل ثلاث سنوات، أدى أوباما اليمين الدستورية ليدخل البيت الابيض، ويصبح الرئيس الأميركي الـ،44 وأول رئيس أسود، ما اثار آمالاً عريضة بشأن التغيير الايجابي الشامل في أقوى دولة في العالم.
ولم يقتصر تفاؤل المحللين على مسألة اللون والعرق التي تشير الى تجاوز انقسام عرقي تاريخي في اميركا، بل انسحب على الامور كافة، من الاقتصاد الى إرث سلفه الجمهوري المحافظ جورج بوش الابن في السياسة الخارجية، والذي ألحق اضراراً بالغة بصورة بلاده في العالم، خصوصاً في العالمين العربي والإسلامي.
كما لم يكن الأمل والتفاؤل مقتصرين على الاميركيين وحدهم، بل ان شعوب العالم كله كانت تتطلع بعيون الامل والرجاء الى رئاسة أوباما، باعتبارها نقطة تحول نحو الافضل، لكن سرعان ما يبدأ تعداد خيبات الأمل وطغيان الاحباط، ما اظهر أوباما مجرد رئيس عادي بل ضعيف «وابن لنظام بلا إنجازات ضخمة»، رغم وعوده بالتغيير الكبير والجذري والعميق في شتى الاتجاهات. وفي حفل تنصيب أوباما غنت المغنية الاميركية أريثا فرانكلين بقبعتها الانيقة والمشهورة اغنيتها « بلادي» (ماي كانتري) لتملأ أجواء الاحتفال بالأمل والاستبشار بشفاء أميركا مما لحق بها من جروح على مدى ثماني سنوات مضت، وبكلمات أخرى فقد بلغ الأمل في تلك اللحظات الاحتفالية الفريدة ذروة غير مسبوقة. ولكن هل انتهى الامل وتبخـّــر؟ لقد كانت لدى الاميركيين توقعات وآمال كبار بأن اوباما سيبلور حلا سحريا وناجعا للازمة الاقتصادية الطاحنة من خلال برنامج للاستثمار ولتحرك الحكومة الاميركية لإعادة بناء ما تضرر. كما توقع الاميركيون أن ينحّي اوباما معظم جوانب وعناصر السياسة الخارجية لسلفه، وأن يحاول الوصول الى العالم الاسلامي ليكسب قلوب شعوبه.
وخلال فترة لم تتجاوز تسعة أشهر بعد دخوله البيت الابيض منحته لجنة نوبل جائزتها للسلام. لكن تلك اللحظات تبدو لنا الآن بعيدة للغاية ولاسيما بعد ان فقد الديمقراطيون والليبراليون ثقتهم وأملهم في اوباما، لأنه لم ينفذ شيئا مما وعد به من التغيير، وأظهر قدرا كبيرا من العجز والضعف سياسيا واقتصاديا، ممتنعا عن اتخاذ مواقف حاسمة وواضحة بشأن العديد من القضايا.
فعلى الصعيد الاقتصادي قال كثير من منتقديه إنه كان يعاني نقص الطموح ولم يكن لديه من الصلابة والحسم ما يكفي لتنفيذ سريع لصفقة إنقاذ الاقتصاد التي يصل حجمها الى 787 مليار دولار، وانه كان يجب عليه مضاعفة هذا الرقم واجراء اصلاحات في النظام الضريبي بحيث يزيد من تحصيلها من الاغنياء، ومن إعفاء الشرائح المتوسطة وذات الدخل المنخفض، وكانت النتيجة عملاً غير مكتمل في مجال الاصلاح الاقتصادي ناهزت من خلاله نسبة البطالة 9٪. كما واجه اوباما انتقادات لاذعة من مؤيديه وأنصاره الذين اتهموه بأنه كان ضعيفا تجاه المصارف، ومعاقبة اولئك المصرفيين والمديرين الذين تسببوا مباشرة في الازمة المالية ،2008 ولم تكن لديه الرغبة الحقيقية أو القوية في خوض معركة قوية والقتال حتى النهاية، وبكل ما لديه من اسلحة ضد الجمهوريين، لإقرار إصلاح نظام التأمين الصحي، وإعادة هيكلة المؤسسات، وانقاذ الشركات الكبرى، وغيرها من القضايا الاصلاحية.
وفي خطاب تنصيبه تحدث أوباما عن التغييرات المناخية ودافع عن الموقف الاميركي من قضايا التلوث وانبعاث الغازات من السيارات ومن المصانع والورش. ولكن لم يتبع ذلك أي عمل جاد او خطوات ملموسة باتجاه طرح أي حلول. ولم ينس انصار اوباما تلك اللحظة الاستثنائية من الامل والاغتباط التي أشاعها توقيعه في اليوم الاول من مباشرته مهامه في البيت الابيض على أمر رئاسي بإغلاق معتقل غوانتانامو سيئ الذكر، وإجرائه مكالمة هاتفية مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
غير ان ذلك السجن لم يتم إغلاقه حتى الآن ، ومازال الرئيس عباس ينتظر من اوباما تنفيذ ما قطعه من وعود في تلك المكالمة بشأن العمل من أجل السلام في الشرق الاوسط. واستناداً الى وزير خارجية سابق لإحدى دول الاتحاد الاوروبي، فإن «اوباما سمح لنفسه ان يكون رئيسا ضعيفا ومحدود النفوذ في عيون رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو (بيبي)، الذي رفض بقوة ضغوطه لوقف الاستيطان في أراضي الضفة الغربية. وعلى صعيد القضايا المحلية وموقف الكونغرس منها، فقد قال السيناتور الجمهوري في مجلس الشيوخ، ميتش ماك أونيل، أهم شيء نريد تحقيقه لأوباما هو ان يصبح رئيساً بولاية رئاسية واحدة. وشجعت هذه الاحباطات والاخفاقات في مسيرة أوباما (ثلاث سنوات في البيت الابيض) بعض ادوات اليمين الاميركي المتطرف مثل شبكة «فوكس نيوز» على التجـرّؤ عليه بل والتطاول بما يتجاوز حدود اللياقة، فتصفه حيناً بالرئيس المسلم الماركسي، وتقول انه يرغب بقوة في فرض نظام حكم شمولي على اميركا الحرة والمنفتحة، وكان المحافظون المتشددون من خلال «فوكس نيوز» وغيرها، يسعون ببث هذه السموم الى القضاء على اوباما.
باختصار كان على أوباما ان يحتفظ بزمام المبادرة بين يديه، وألا يسمح بأن يفلت من بين يديه، وان يتمسك بتعريفه لنفسه، بأنه الحارس الامين لمصالح اميركا وشعبها.
وهكذا فإن إحباط الليبراليين مما يقوم به أوباما هو إحباط حقيقي وكبير، رغم معركته التي خاضها بنجاح أخيرا بشأن اصلاح النظام الضريبي، بحيث يخفف الضرائب عن شريحة الاميركيين ذوي الدخل المنخفض أو المحدود.
وكان الرئيس الاميركي السابق ثيودور روزفلت، قد حقق في ولايته الثانية إنجازاته العظيمة التي حجزت له مكانته في التاريخ، وهذا ما يبدو أن هناك أملاً في تحقيقه، إذا ما تمت إعادة انتخاب اوباما في نوفمبر المقبل، ليتعلم الكثير من أخطائه، ويكون أكثر دقة في تحديد خصومه وأعدائه. وبعد مسيرة ثلاث سنوات شاقة من الاخطاء والمتاعب والاحباطات مازالت هناك أسس وأرضية للأمل والإنجاز.
جوناثان فريدلاند - كاتب ومحلل صحافي
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news