حلم جنوب السودان يتحوّل إلى كابوس
أعادت التوترات الأخيرة، بين شمال السودان وجنوبه، إلى الأذهان وبقوة، التساؤل الكبير الذي كانت تحيط به الشكوك العميقة من قبل حول مدى قدرة جنوب السودان على البقاء كدولة مستقلة قابلة للحياة، بعد أكثر من عام على تصويت أهل الجنوب لمصلحة الانفصال في استفتاء على تقرير المصير.
وتجدد التوتر بين الخرطوم وجوبا أخيرا على خلفية النزاع بشأن تصدير النفط المنتج في جنوب السودان عبر شبكات انابيب البنى التحتية لشمال السودان، وكانت الرؤية المستقبلية قبل الاستفتاء تتحدث عن حقبة جديدة من السلام والتعاون بين شمال السودان وجنوبه وهي التي تم التأكيد عليها من قبل الرئيسين الشمالي عمر البشير والجنوبي سيلفا كير ميارديت في وقت ما، لكن يبدو أن هذه الرؤية قد تلاشت بسرعة وسط الخلافات المتنامية بشأن تقاسم عائدات النفط والصراع عبر الحدود والمجاعة التي تلوح في الأفق.
وفي الأسابيع القليلة الاخيرة، شهدت الأزمة بين البلدين بشأن النفط الذي ينتج في الجنوب، ويتم تصديره عبر خط أنابيب الشمال وميناء بورتسودان على شاطئ البحر الأحمر، مزيدا من التفاقم والتصعيد منذ انفصال دولة الجنوب في يوليو الماضي، والتي اتهمت الخرطوم بسرقة النفط. ويبذل الاتحاد الافريقي جهودا مكثفة ومتواصلة للتوسط بين الخرطوم وجوبا، لكن هذه الجهود تصطدم بعقبة عدم توصل الطرفين الى اتفاق بشأن رسوم عبور النفط، إذ توقفت حكومة جنوب السودان عن انتاجه وضخه بعد أن بدأت الخرطوم في مصادرته مقابل الدفعات المالية المستحقة (رسوم عبور).
وأبلغ كبير مفاوضي جنوب السودان باقان أموم الخبير السوداني في الاتحاد الإفريقي أليكس دي وال، بأن حكومته «لن ترضخ لضغط الاعداء القدامى في الخرطوم»، وقال «إن المسألة مسألة احترام وكرامة، وقد نكون فقراء، لكننا أحرار ونريد أن نبقى كذلك».
غير أن دي وال حذره من أن موقف جوبا هو «موقف انتحاري»، لأن 97٪ من موازنة دولة جنوب السودان تعتمد على عائدات البترول.
وقال دي وال «إن الشركات ستباشر خلال ايام عمليات غسل الانابيب الناقلة للنفط بالماء، بعد ان تم اغلاقها، لكن اعادة فتح وتشغيل تلك الانابيب التي يبلغ طولها 600 ميل، قد يستغرق ستة اشهر».
وكانت تطورات وأبعاد هذا النزاع بين الخرطوم وجوبا في صلب جدول أعمال قمة الاتحاد الافريقي في أديس ابابا، وسط تشاؤم من المحليين بشأن امكان التوصل الى صيغة اتفاق، وأعلنت حكومة جنوب السودان، قبل ايام، أنها توصلت الى اتفاقية طموحة مع حكومة كينيا لإقامة خط لأنابيب لتصدير نفط الجنوب، عبر الاراضي الكينية، غير ان خبراء قالوا إن الانتهاء من هذا المشروع يستغرق أعواما.
وتنحي الخرطوم باللائمة على جوبا بدعم ومساندة «متمردي جنوب كردفان»، الذين يتلقون الدعم والمشورة والتوجيه من مسؤولي «الجيش الشعبي لتحرير جنوب السودان» سابقا.
وتحدث وزير الخارجية السوداني علي أحمد كرتي بوضوح وقوة عن هذه المسألة، وقال «لا أحد يمكنه ان يمنعنا من الحصول على حقنا في رسوم عبور نفط الجنوب، وما الذي تنتظره جوبا منا في الخرطوم غير الحرب اذا كانت تواصل دعم المتمردين بالسلاح والرواتب والتدريب وتقديم التسهيلات المختلفة؟».
وتمثل رسوم مرور نفط الجنوب نسبة كبيرة من الموازنة العامة السودانية بعد ان فقدت الخرطوم معظم مناطق إنتاج النفط لمصلحة جنوب السودان عند استقلاله.
واستنادا إلى مصادر في صناعة النفط فإن السودان باع بالفعل شحنة نفط مصادرة من جنوب السودان بملايين عدة من الدولارات اقل من سعر السوق، اضافة الى انه يعرض المزيد من هذا النفط بينما تتهم جوبا الخرطوم بسرقة نفطها وشن حرب نفطية عليها، وهو ما دفعها إلى إيقاف انتاجها النفطي تماما، على الرغم من انه يعتبر المصدر الرئيس للدخل في جنوب السودان.
ويعاني الاقتصاد السوداني تعثراً وعقبات عدة تعرقل نموه بعد تقلص انتاج النفط وبعد توقف الولايات المتحدة عن تقديم الحوافز والمساعدات التي كانت تقدمها للخرطوم، بعد قبولها اتفاقية السلام مع متمردي جنوب السودان في عام .2005
ويأتي تفاقم الخلافات بين شمال السودان وجنوبه، في وقت تتزايد فيه التقارير عن اتساع نطاق المجاعة في جنوب كردفان والنيل الازرق، إذ يقدر عدد المحتاجين إلى مساعدات غذائية عاجلة بأكثر من نصف مليون شخص.
وسارعت مندوبة الولايات المتحدة لدى الامم المتحدة سوزان رايس إلى اتهام السودان بانتهاج سياسة متعمدة بشأن رفض أي مساعدة خارجية للتغلب على هذه المجاعة. وقالت «إذا واصلت الخرطوم تعنتها في رفض المساعدات الانسانية الخارجية لتلك المناطق، فإننا سنبحث عن بدائل ومداخل وطرق لإيصال المساعدات الى المناطق المتضررة».
ويقول البروفيسور إيريك ريفز من «كلية سميث»، وغيره من المنتقدين الاميركيين للسودان، إن حكومة الخرطوم تتعمد سياستها ليس فقط لزعزعة استقرار جنوب السودان وتقويض أمنه، بل لخنقه وتدمير اقتصاده وإبقائه في حالة اعتماد عليها، وتهيئة الاجواء وإيجاد اسباب لتجديد الحرب.
ويبدو ان البديل المتاح، لإزالة أسباب التوتر والخلاف، وتغيير سلوك الخرطوم، هو إبرام اتفاقية دولية، يضمنها الاتحاد الإفريقي.