أميركا مطالبة بمنع إذكاء الفـوضى في مصر

الفوضى المتواصلة أهم خطر تواجهه مصر. رويترز

أتساءل مع آخرين: أي ثورة ديمقراطية هذه التي تفضي بـ19 اميركيا ينشطون للدفاع عن الديمقراطية وتعزيزها الى المحاكمة؟

الجواب هو ان الثورة التي اطاحت الرئيس السابق حسني مبارك ونظامه مازال فيها كثير من الفوضى والاضطراب، بحيث يتم البحث عن اشخاص لتحميلهم اللوم والمسؤولية عن المشكلات والاضطرابات. ويتعين على الولايات المتحدة ان تكظم غيظها وتكبح جماح غضبها لتتجنب رد فعل متهور وتفادي قطع او تقليص المساعدات المادية لمصر وتفاقم اوضاعها المادية والاقتصادية. وبعد مضي عام على ثورة 25 يناير، فإن مصر مازالت تكافح لتشكيل حكومة مستقرة قوية وسط حالة من التشوش والفوضى.

فوضى وبطل منقذ

وحذرت وزيرة التعاون الدولي المصرية فايزة ابوالنجا، التي شنت الحملة على المنظمات والجمعيات غير الحكومية التي وظفت اميركيين، بشكل سري وهادئ الحكومة من الاصرار على وقف نشاط تلك المنظمات وفضح خططها، لزعزعة استقرار مصر. وكل من يقرأ كتاب «تشريح الثورة» لكرين برنتون، يعرف: ان توسيع نطاق الفوضى والتأزم الاقتصادي يفرز «كورالاً» او فرقة تردد معزوفة إلقاء اللوم على متلاعبين ومتآمرين اجانب، ثم يتبع ذلك ظهور قائد ديني او سياسي قوي على ظهر حصان لانقاذ البلد من الفوضى واستعادة النظام والاستقرار وبوصلة الهدف الوطني العام.

لكن هناك احتمالاً آخر، وهو ان الناشطين الشباب الذين قاموا بالثورة يبدون اكثر تصميما على الاستمرار في نشاطهم للمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وهي الاهداف التي دفعوا ثمنها غاليا من دمائهم، وعرضوا انفسهم للأخطار قبل عام من أجلها.. وفي هذه الحالة فإن الولايات المتحدة ترتكب خطأ جسيما اذا حاولت رسم خطوط المواجهة في وقت مبكر بإعلان قطع او تجميد المساعدات لمصر، في رد تصعيدي على الاتهامات الموجهة للاميركيين العاملين في منظمات وجمعيات غير حكومية لترسيخ الديمقراطية، لان ذلك يعني إظهار الولايات المتحدة كعدو خارجي لمصر وهي في الواقع ليست كذلك.

أزمة وملحوظات

دعونا من حالة الفوضى في القاهرة لنسجل بعض الامور التي لاحظناها:

أولاً: ان هؤلاء الناشطين الاميركيين في تلك المنظمات لم يكونوا يقومون بعمل مشؤوم او شرير. فأنا منذ عام على اطلاع منتظم على تقارير دورية من باحثي وناشطي المعهد الوطني للديمقراطية في القاهرة، ولمست انهم يعملون لنصرة الافكار والتصورات والآراء عن مصر الجديدة، وليس لتقويض استقرارها وتخريب نظامها وامنها، وان هدفهم تدريب المصريين على المهارات التي يحتاجونها لعملهم في تعزيز الانفتاح الفكري وترسيخ الديمقراطية.. وكذلك الحال بالنسبة لثلاث جماعات تم توجيه اتهامات الى عاملين اميركيين فيها، وهي انترناشيونال ريببليكان انستيتيوتت (المعهد الجمهوري الدولي)، وفريدوم هاوس (دار الحرية)، وذا انترناشيونال سنتر فور جورناليستس (المركز الدولي للصحافيين)، إذ كان يتعين عليها التقدم بطلبات رسمية الى السلطات المختصة للحصول على الاذون والتراخيص اللازمة قبل القيام بالعديد من اعمالها ومهماتها، والانتظار للحصول فعلا على تلك التصاريح وإلا تم اعتبار ما تقوم به جريمة.

ثانياً: رغم المهمة الحميدة والنبيلة لتلك المنظمات فإن اسباب عصبية بعض المصريين وتوترهم تبدو واضحة ومفهومة. فمصر تحاول تحرير نفسها والانعتاق من الذل والاستعباد والتلاعب من القوى الاجنبية التي استمرت اجيالاً، وغالبا كانت تقودها الولايات المتحدة، فكثير من المصريين مهووسون بجنون الشك «بالايادي الخارجية»، التي تعبث بالشؤون الداخلية لبلادهم، ولديهم من الاسباب المنطقية ليكونوا كذلك، فهذا ليس مرده بعض القلق الغريب الاطوار الذي تعانيه دول العالم الثالث بصورة عامة. يمكنك ان تتخيل ماذا يكون رد الفعل الاميركي اذا تم اكتشاف ان الحكومة الفرنسية تعمل بهدوء وسرية لفتح مكاتب لها في الولايات المتحدة، لتقديم منح وهبات لدعم انشطة مبادئ الثورة الفرنسية، وهي الإخاء والحرية والمساواة، ونشر غيرها من القيم الفرنسية! لا أعتقد ان الأميركيين سيستمتعون ويكونون فرحين.

ثالثاً: رهاني مازال قائما على الشباب في مصر، سواء كانوا من الجماعات والقوى العلمانية او الاسلامية، فكلهم اصوات التغيير ويجمعهم التزام عام بتقوية صوت المواطنين المصريين والدفاع عن مصالحهم، وشرح قضاياهم، وتوحيد صوتهم وكلمتهم رغم ان جماعات الشباب لا تتحدث بصوت واحد، لكن لديها الادوات لبناء مصر الجديدة التي يكون فيها الجيش والحكومة مسؤولين امام الشعب، بحيث يمكنهم مساءلتهما ومحاسبتهما.

عدم الانفتاح

وما يقلقني هو انني حينما أنظر الى الأحداث في مصر أرى «الاخوان المسلمين» يتلقون الدعم الكبير في الانتخابات البرلمانية، ويستعدون الآن لتولي الحكم، ويرفعون شعار «الإسلام هو الحل»، لكن هل يبدي «الاخوان» انفتاحاً حقيقياً على القوى والافكار والشعارات والمبادئ الاخرى من احزاب سلفية وعلمانية؟ هذا هو السؤال الاكبر والقضية الاهم امام مصر الجديدة، وهذا ما يدفعني الى تعليق امل كبير على تدخل «الاخوان المسلمين»، والانضمام الى الدعوات والاصوات المطالبة بالإفراج عن الناشطين الاميركيين الذين يواجهون اتهامات، من العاملين في منظمات ومؤسسات دعم الديمقراطية والحريات. وتبدو تركيا نموذجاً معقولاً ومقبولاً للاصلاح الديمقراطي والسياسي في مصر.. لكن اذا كان هناك من يعتقد ان الحكومة المصرية الجديدة ستقلص حرية الاعلام واستقلاله واستقلال القضاء، وان الجيش يقوم بأعمال مماثلة في هذا الشأن، فلا بد من الاشارة الى ان الحكومة التركية قامت على مدى سنوات لضمان حرية العمل الاعلامي والمحاكم.. فالديمقراطية المصرية هي عمل في حالة احراز تقدم مستمر، وينبغي على «الاخوان المسلمين» وكل مصري آخر مواصلة التحرك الى الامام نحو المزيد من الحرية وليس لتقليلها.

ديفيد إغناتيوس - كاتب ومحلل في «واشنطن بوست» والمقال منشور فيها

تويتر