حوّل «ربيع دمشق» إلى دماء بعد أن لقّنه الحرس القديم طريقة الحكم

الأسد.. قسوة تختفي وراء سلـــوك هادئ

الأسد تحول إلى حاكم مستبد رغم افتقاره لغطرسة صدام وشطحات القذافي. غيتي

بينما كان الرئيس السوري بشار الأسد يدلي بصوته مبتسماً بصحبة زوجته البريطانية المولد أسماء في الاستفتاء على الدستور الجديد، في مركز اقتراع بدمشق الاحد الماضي وسط حشد من الناس الذين كانوا يهتفون له، كانت قواته تقصف مدنيين بائسين ومسلحين منشقين في حمص ثالث كبرى المدن السورية وقلب الانتفاضة على حكمه.

ومع افتقاره لغطرسة الراحلين الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وشطحات الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي، لم يكن من المحتمل أن ينضم الأسد صاحب الصوت الهادئ الى حكام مستبدين تلطخت أيديهم بالدماء.

لكن بعد مقتل الآلاف خلال حملة قمع مستمرة منذ 11 شهراً للاحتجاجات، أثار طبيب العيون الذي درس الطب في لندن غضب دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا كانت تشيد به ذات يوم كإصلاحي محتمل.

وذكر بعض من يعرفون الأسد (46 عاماً) أن ذلك خطأ كان يسهل الوقوع فيه نظراً لجاذبيته واعتدال سلوكه وميوله الإصلاحية، التي يقولون عنها إنها تحولت إلى ثقة زائدة بالنفس وموهبة في التلاعب بالمجتمع الدولي.

وقال مستشار سابق له إنه اصبح مقتنعاً بأنه «الرجل الذي اختاره الله»، بعد أن استقر به الأمر في منصبه.

وأشار الباحث الأميركي ديفيد ليش الذي التقى الأسد مرات عدة، أثناء إعداد كتابه (أسد دمشق الجديد) الذي صدر عام 2005 إلى تغير مماثل في شخصية الزعيم السوري.

وقال ليش لـ«رويترز» «أنا شخصياً شهدت بشار يصبح أكثر ارتياحاً للسلطة. بدأ مع مرور الأعوام يصدق المتملقين والدعاية المحيطة به بأن رفاهية البلد مرتبطة برفاهيته».

ويقول الذين عرفوا الأسد إنه مقتنع بأنه يحارب انتفاضة مدفوعة من الخارج ويشترك فيها إسلاميون ومنشقون على الجيش، وإنه يعتزم سحقهم.

ويقول المؤيدون والمنتقدون على السواء، إن الأسد أصبح اسير مصالح قوية، بعد أن فشل في تغيير نظام حكم جامد وفاسد تسيطر عليه أسرته والطائفة العلوية التي ينتمي إليها في بلد يغلب السنة على مواطنيه.

وقال مؤلف كتاب «في عرين الأسد.. داخل حرب أميركا الباردة مع سورية برئاسة الأسد» أندرو تابلر «هو واقع في ما نسميه معضلة الديكتاتور.. إذا أجرى إصلاحات الآن، فسيقوض الذين يعتمد عليهم (أجهزة الأمن) لدرجة كبيرة في الحفاظ على نظامه. هو في ورطة حقيقية».

ولم يكن الأسد معدا ليتولى الزعامة، لكن شقيقه الأكبر باسل الوريث المحتمل للسلطة بعد حافظ الأسد، توفي بحادث سيارة عام ،1994 فتولى بشار الرئاسة بعد وفاة الأب عام .2000

وكان كثيرون يأملون أن تتغير الأمور في عهد ابنه الأصغر الذي سمح في بادئ الأمر بنقاش عام بعنوان «ربيع دمشق» في مجتمع ظل مغلقاً سنوات طويلة.

وعزز ذلك التفاؤل الصورة العصرية لزوجته المسؤولة المصرفية السابقة التي وصفتها مجلة فوج للأزياء بأنها «وردة في الصحراء».

وقال ليش «أعتقد أنه كان حقاً إصلاحياً ملتزماً في البداية».

وقال المستشار السابق لبشار الأسد أيمن عبدالنور، إنه «خجول ولطيف ويمكن أن يستمع إليك مثل أي شخص عادي»، وذلك قبل أن يلقنه الحرس القديم طريقة الحكم.

وأضاف عبدالنور الذي انقلب على الأسد ويعيش حالياً في المنفى «بعد عام ونصف بدأ يعتقد انه الرجل الذي اختاره الله لحكم سورية. وأنهى (ربيع دمشق) وسجن زعماءه، وأصبح منذ ذلك الحين يعيش في شرنقة».

ولا يريد الأسد تغيير مساره على ما يبدو لعدم اقتناعه بأنه يواجه انتفاضة شعبية حقيقية، ولايزال يروج لخطط الإصلاح، لا يتوقع كثيرون أن تنزع فتيل الاضطرابات.

وكان الأسد قد بدأ في تحرير الاقتصاد في مواجهة زيادة السكان وتراجع الموارد، لكنه لم يغير شيئاً يذكر عدا ذلك، وهي سياسة وصفها خبير شؤون سورية بجامعة أوكلاهوما جوشوا لانديس بأنها «حمقاء».

وقال لانديس «أراد الحفاظ على حزب البعث وسلطة أسرة الأسد مع فتح أبواب البلد أمام التجارة الخارجية. أراد أن يفعل ذلك من دون ارساء حكم القانون أو توازن السلطات أو من دون نظام قضائي مستقل».

ويبدو الأسد مقتنعاً بأنه، رغم عشرات الأعوام من الاحتقان سيصدق خصومه تعهداته بتغيير حقيقي من خلال استفتاء على دستور وانتخابات برلمانية.

وقال ليش «رغم اقتناع بقية العالم بأن الأسد يروج لأوهام، فأنا أرى على العكس أنه والدائرة المقربة منه يعتقدون حقاً، أكثر مما يتخيل معظم الناس، بوجود مؤامرات خارجية منذ البداية».

ويعتقد أن مسؤولين سوريين وجهوا إلى الأسد رسائل بالبريد الإلكتروني قبل المقابلة التي أجراها مع شبكة «إيه.بي.سي» التلفزيونية الأميركية نصحوا فيها الرئيس بالتلاعب بالجمهور الأميركي. وجاءت في رسائل البريد الإلكتروني نصائح بعدم الحديث عن الإصلاح، مشيرة إلى أن الأميركيين لا يبالون بذلك ولا يفهمونه، وأنه يمكن بسهولة استمالتهم عندما يسمعون أن أخطاء ارتكبت، ويجري الآن إصلاحها.

ولم يقتنع بعض الذين كانوا مقربين من دائرة الرئاسة بأن الأسد يسعى حقاً للتغيير، وهو الذي نقل عنه قوله الأسبوع الماضي، «إن الإصلاحات ربما يجب أن تنتظر حتى الجيل التالي».

وقال تابلر الذي كان يعمل في وقت ما مستشاراً لمشروعات أسماء الأسد الخيرية ورافق زوجها خلال زيارة رسمية للصين «اكتشفت في وقت مبكر جدا أن النظام الذي يترأسه فاسد ويسعتصي على الإصلاح ووحشي أيضا لدرجة أن الصورة التي يسعى بشار لترويجها لا تستحق المراهنة عليها».

وأضاف «نجحت طبيعته المخادعة في إرباك المجتمع الدولي».

وقال ليش الذي يعكف حالياً على تأليف كتاب بعنوان «سقوط حكم عائلة الأسد» «في رأيي أن رؤية بشار الأولى فشلت، وأن الموجود الآن، حتى إذا تمكن من البقاء، كائن مختلف تماماً يشبه كوريا الشمالية في الشرق الأوسط».

تويتر